Wednesday 3 October 2012

{Kantakji Group}. Add '11289' الفكر الليبرالي الاقتصادي بين الواقع و المرتجى

 

الفكر الليبرالي  الاقتصادي بين الواقع و المرتجى

 

معن البرازي [i]

مراقب ومدقق الشرعي - هيئة المحاسبة والمراجعة للمصارف المالية الإسلامية

 

أين نحن اليوم من موروث الاقتصاد السلوكي ومنتجاته الليبرالية التي هيمنت على الاقتصاد العالمي ؟ وهل صحيح القول ان هذا الفكر بنسخته الاقتصادية لم يستطع أن يقدم للبشرية جمعاء الا تاريخا" متعددا" ومتشعبا" من الأزمات المالية و الاقتصادية المتتالية نتج عنه حتى اليوم أكثر من مليار شخص يعيشون تحت خط الفقر المدقع ومليارين آخرين يعيشون بدولارين في اليوم و أزمة تصحر مستفحلة ردت الى ثقب ما في الأوزون و انبعاثات كربونية تكاد تودي بصحة أكثرية الأطفال في البلدان النامية و خاصة الاسلامية و العربية اليوم . أما طالع هذه الأزمات اليوم هو ما يعرف بأزمة اليونان التي تهدد وحدة القارة العجوز ومقررات ماستريخت التي أبرمت باسم المحافظة على نسب دنيا من البطالة و التضخم. وهل يمكن القول ان تاريخ هذه الأزمات المتكررة التي استبدلت الحرب الباردة بحرب صينية -أميركية للمحافظة على استقرار نظام العملات تدفع بجهابزة العلوم المالية و الاقتصادية" الليبراليين" الى اعادة نبش كتب تعليم كينز و استحضار الأستراكية و الماركسية في صيغة أميركية تسمى اليوم ب " التارب"[1]TARP  ؟

كيف ينظر الأقتصاديون الجدد الى نظرية كينز كمنقذ جديد للأزمة المالية؟

ليس من الممكن فصل هذه الأزمة عن السياسة الليبرالية الجديدة، وفلسفة حرية السوق المتطرفة أو المتعصبة.  لقد شهد الاقتصاد العالمي في العامين 2008 و 2009 أسوأ ركود له منذ الحرب العالمية الثانية. فإجمالي الناتج المحلي العالمي، الذي كان يزداد بمعدل 4% سنوياً ما بين العامين 1997 و 2007، تباطأ بفعل أزمة الرهن العقاري بنسبة 3% في العام 2008، ثم انكمش ليبلغ 0,6% العام 2009. فلنتذكر، للمقارنة، أنه خلال الكساد الكبير الذي حصل في ثلاثينيات القرن المنصرم، تراجع إجمالي الناتج المحلي ثلاث سنوات على التوالي: -3% العام 1930، ثم -4% العام 1931, ثم -4% العام 1932. ويتطلع اقتصاديو العالم العربي اليوم لاعادة احياء مفاهيم جون كينز التي تؤكد نظريته ان السياسات الحكومية المالية يمكن ان تكون فعالة لمواجهة التقلبات الدورية ، باعتبارها تعمل ضد تيار دورة الأعمال : فالإنفاق يقلص العجز عندما يعاني اقتصاد البلاد من الركود . 

وقد توارثت الأنظمة الليبرالية هذا النموذج مما أدى في القرنين السابع و الثامن عشر الى أزمة التوليب الهولندية التي كانت أول أزمة مضاربات هستيرية أكدت نظرية الفقاعة. وتردد صدى هذه الأزمة في القطاع العقاري في 1791 عندما استحوذت شركة جون لو مسيسيبي على كافة بيوت الاستثمار و التجارة الفرنسية و أدرجت ملكية العقار في فرنسا للمضاربين الأميركيين وما هي الا أشهر قليلة حتى امتدت هذه الفقاعة الى بريطانيا عبر مضاربات شركة البحار الشمالية التي تملكت كافة الدين البريطاني عن طريق المضاربات ما دفع أسعار سندات الخزينة الى مستويات جنونية تخطت أكثر من ألف بالمئة من قيمتها الاسمية. وفي عام 1825 امتدت هذه المضاربات الى أسواق أخرى حتى طالت الأزمة سندات التمويل و الاستدانة التي كانت تملكها البيرو وقد روج المستثمرون و المضاربون الى سندات دين وهمية باسم دولة بويه ما أدى الى افلاس عدد كبير من بيوت المال البريطانية. وكان تدخل الحكومة هو المنقذ لهذه البيوت بعد أن أسس الا قتصادي بوجيهو لنظرية المصرف المركزي كمقرض أخير للدولة. ويعزو بوجيهو سبب الأزمات الى هذه العلاقة مع القطاع الخاص وتدخل المصرف المركزي في تثبيت العملة الا أن الأزمات و المضاربات توالت بين 1819 و 1837 و 1866 و1893 حيث كان لكل أزمة طبيعتها و مضاربيها الا أن حوافزها كانت متشابهة مضاربات على سندات حكومية و استنفاذ لاحتياطيات الذهب و المعادن و استنفاذ لسيولة السوق وطبع نقد جنوني ولد تدخلا" مستشري يولد ركودا" وبطالة ويدفع بالنظام الرأسمالي الى محاولات جديدة لكسب الوقت عبر الاستدانة بفوائد أعلى وأصول وهمية وتنمية زائفة وان كان آخر الدواء الكي فان فلسفة النظام الرأسمالي كانت و لا تزال الامتداد الى اسواق عالمية جديدة اما عبر حروب قيصرية أو عبر شرعية زائفة لنظام ديمقراطي أثبت فشله من المحيط الى الخليج.

الكثير من مفكري و اقتصاديي العصر الحديث يرون في النظام الليبرالي و الرأسمالي تاريخ مكرر من الأزمات خير مثال على ذلك نوريال روبيني[2] الذي قال في محاضرة في منتدى الاقتصاد العالمي في دافوس: «لم تفلح نظرية الرجل العقلاني لعلم الاقتصاد» و يعطي روبيني واقتصاديون بارزون آخرون المزيد من الاهتمام بعلم الاقتصاد السلوكي، الذي يبدأ من الافتراض بأن القرارات الاقتصادية، مثل جميع جوانب السلوك الإنساني الأخرى، تتأثر بعوامل نفسية لا عقلانية. اما أقوى رد على النموذج العقلاني جاء على لسان المؤيد التام لنظرية العقلانية، وهو آلان غرينسبان رئيس مجلس المصرف الاحتياطي الفيدرالي السابق الذي قال أمام الكونغرس في تشرين الأول 2010 : «لقد أخطأت بافتراض أن المصالح الخاصة للمؤسسات، وتحديدا البنوك وغيرها، تجعلها أفضل ما تكون في القدرة على حماية حاملي أسهمها».

لقد كان اكتشاف ضعف الأسس التي يقوم عليها مبدا ضبط الاقتصاد بالاقتصاد، أي تنظيم الاسواق حسب قاعدة العرض والطلب، هو السبب الأول في نشوء الكينزية في امريكا، وانتشار الديمقراطية الاجتماعية في اوروبة أيضا، كرد على أزمة الكساد الكبرى التي تفجرت في العشرينات من القرن الماضي. صحيح القول ان الليبرالية نشأت في التغيرات الاجتماعية التي عصفت بأوربا منذ بداية القرن السادس عشر الميلادي، بشكل متدرج بطيء. الا ان الليبرالية بصيغتها الحالية ليست اللوكية ( نسبة إلى جون لوك 1632 – 1704 )، أو الروسووية ( نسبة إلى جان جاك روسو 1712-1778 ) أو الملّية ( نسبة إلى جون ستوارت ملْ 1806-1873 . والقاسم المشترك بين السياسات الكينزية، التي شكلت إصلاحا هيكليا للسياسات الليبرالية الكلاسيكية، هو عدم ثقتها بالسوق، وإعادة تثمينها لدور الدولة كأداة تنظيم وترشيد للاقتصاد من خارجه، أي من حيز السياسة .  أن الليبرالية الجديدة كانت بمثابة ردة على السياسات الكنزية التي أعادت الاعتبار لنظريات ضرورة ضبط الاسواق والإشراف السياسي عليها، وعودة إلى السياسات الليبرالية التقليدية المناوئة لتدخل الدولة، دفعت إليها قوى السوق والشركات الصناعية والمالية الكبرى التي أدركت قوتها المتنامية، ونزوع جزء من النخب السياسية الأمريكية والأوروبية، في سياق نهاية الحرب الباردة، إلى استغلال موقع القوة الذي يحتله الاقتصاد الصناعي الغربي، لغزو العالم بشعارات اقتصادية تدعو للتخصيص الكامل وإطلاق حرية الأسواق وتخفيف القيود عنها[3].

 الكثير من الاقتصاديين والمحللين يوازون بين الأزمات الاقتصادية في نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات من القرن العشرين (أزمة الكساد الكبير لسنوات 1929 ـ 1933) وأزمة الرهن العقاري ويجدون بينهما الكثير من أوجه الشبه و يردونها الى موروث الفكر الاقتصادي الليبرالي الجديد الذي يعيد توليد الأزمات ويجد صعوبة كبيرة في إيجاد صيغ وبدائل جديدة . فلقد ظهرت الليبرالية الحديثة بعد أزمة الحربين العالميتين  كردة فعل لإيجاد "دولة الرفاه". اما جذور الليبرالية التي عاصرت " المعجزة الاقتصادية" للقارتين الأميركية و الأوروبية و التي سمحت لها أن تستولد نفسها مجموعة لدول العشرين اضحت تسيطر على منظمات عالمية ما يسمى كصندوق النقد الدولي و البنك الدولي –وهي احد ابرز ادوات نظام بريتون وودز - وتفرض تفكيرا" منهجيا" لاخضاع النمور الاقتصادية في البلدان الناشئة و اعادة احياء الليبرالية القديمة بلباس جديد تستحوذ على اصالة الفرد وحريته. وما نراه اليوم ما هو الا نظام اقتصادي عالمي جديد يقضم من رفات نظام يدين الحرية الاقتصادية للأفراد و المؤسسات كدافع للنمو وعلى العكس يحمله مسؤولية الأزمات و يحرمه  حرية التبادل التجاري على اساس نظام القيمة.

كيف وصل الفكر الليبرالي الى أزمة الفصام تلك؟

ان الأزمة المالية العالمية اليوم  تكاد تجهز على ما تبقى من التوازن الهش في نظام بريتون وودز الذي قسم النفوذ المالي في أوروبا المهزومة بعد الحرب العالمية الثانية الى نطاق نفوذ سياسي و تنموي وكذلك على ثقة المستهلك المؤمن بعولمة النظام المالي  وأسواقه المفتوحة. ولقد احتلت صفحات الصحافة العالمية ومجلة ال"فورن أفيرز" مقالات حول مستقبل النظام الليبرالي العالمي المتهاوي اضافة الى مقالات تبشيرية ب"زوال النموذج التفوقي الأميركي" فبين فوكوياما و ايكبري مقالات تساءلت "كيف يمكن لكينز أن ينقذ أوروبا" و"لماذا ماتت محادثات الدوحة". وعليه أعاد جهابزة الفكر الاقتصادي الأميركي نبش قبر جون كينز وميلتون فريدمان مستغيثين بمنقذي الاقتصاد الأميركي من تبعات الاثنين الأسود و أزمة الركود التي دامت أكثر من عشر سنوات و كانت لتجهز على الرأسمالية الناشئة حينئذ. ففي فجر عام 2009  تيقن الأميركيون أن خطة بولسن لن تنقذ الأسواق المالية من التهاوي و أن كفرت بانظمة الانذار المبكر و فلسفة غرينسبن لن يحمي الفكر الغربي الليبرالي من نظرية الابوكاليبس ( وعليه باتت عولمة الاقتصاد العالمي تنذر بنهايته ونهاية نظام بريتون وودز ووصفات صندوق التقد العالمي: لذا كان تحت المادة الرابعة لاستشارات الصندوق مع الدول أخفق في معالجة أزمة التيكيلا المكسيكية وفقاعة اسواق الدوت كوم ودوامة حرب العملات مع الصين و الركود المزدوج القعر الذي لا يزال أمثال روبيني يبشرون به.

ان للفكر الاقتصادي الليبرالي جذورا في مذهب الفائدة  (Utilitarianism) ، فالهدف من قيام الدولة في رأي (جرمي بنتام)، مؤسس مذهب الفائدة وفيلسوف الليبرالية في القرن الثامن عشر، هو هدف عام لجميع حياة البشر، أي تأمين الرفعة والسعادة واللذة العامة. فعلى الدولة ان تسعى لتأمين اكبر سعادة للشعب لكي تستطيع أداء وظيفتها بصورة أحسن. وأعمال الفرد وسلوكه انما تكون صحيحة إذا كانت سبباً لزيادة السعادة والفرح، أي توافر اللذة واختفاء الالم والعذاب. والعدالة في رأي مؤيدي هذا المذهب تتحقق بحصول الخير والسعادة للجميع، وبعبارة أخرى، ان الفرح هو مقياس العدالة وعليه فان التناقض هو في اعتباران الهدف النهائي للمجتمعات و الاقتصادات هو السعادة واللذة وليس الحرية. (مع ان السعادة واللذة قد تتحقق بالضغط والاستبداد لكن على حساب الحرية). أي بالامكان ضمان سعادة الآخرين من دون حاجة إلى رضاهم. وهذا دور الحكومات القوية القادرة على تحقيق ذلك. أما الخلل الاخر في هذه النظرية هو ان بنتام يعتقد ان الإنسان موجود عقلاني بأكمله، (لكن لم يبين ما معنى العقلانية)، فهل هي مراعاة المصالح الشخصية ام مراعاة المصالح العامة؟

هنالك اتجاه لا يقر بوجود الأزمة أصلا، وأن النظام الرأسمالي هو النظام الأمثل الصالح لكل زمان ومكان والذي لا يعرف الأزمات، وإن وجدت فهي عابرة وظرفية وستعمل ميكانيزمات السوق الحرة على حلّها. هذا الاتجاه يصطف وراء القانون المشهور للاقتصادي الكلاسيكي "جون بابتيست ساي" والمسمى "قانون المنافذ" الذي يقول أن كل عرض للسلع يخلق الطلب الضروري عليه، وتبنّته المدرستين الكلاسيكية والنيوكلاسيكية اللتان سادتا خلال القرن 19 وبداية القرن 20. اتجاه يقر بوجود الأزمات وأنها ملازمة للنظام الرأسمالي سواء بحكم التناقضات التي يحملها أو للإختلالات التي يعرفها من حين لآخر نتيجة التحولات التكنولوجية، أو عدم توافق العرض والطلب نتيجة سوء توزيع المداخيل.  من أصحاب هذا الاتجاه من توصل في دراسته لوجود دورات منتظمة لسير هذا النظام الاقتصادي (الانتعاش، الانطلاقة، النمو الازدهار، الانكماش، التدهور والكساد) وهي فترات تطول أو تكون قصيرة حسب المفكرين مثل دورة "كوندرتياف، وجوغلر، وكيتشين ..إلخ .

كان جوزيف ستجليتز[4] حائز جائزة نوبل للاقتصاد على حق عندما وصفها بأنها الانهيار المدوي لاقتصاد السوق الحرة المتطرفة، ولسياسة الليبرالية الجديدة التي تدعو لتحرير التجارة العالمية وتخفيف الضوابط وتوحيد الأسواق. فهي في نظره تمثل في مجال الاقتصاد ما مثله انهيار حائط برلين في العقيدة الشيوعية. وقال ستيغلتز في كتابه ضحايا العولمة[5] ان صندوق النقد الدولي على سبيل المثال ينتهج سياسة تحركها الايديولوجيا والاقتصاد "الرديء" مفسرا قوة ردود الفعل المناهضة للعولمة بأنها نوع من الوعي بما وصفه النفاق الكبير. ويقول "لا يوجد اليوم من يدافع عن هذا النفاق الكبير ألا وهو الادعاء بمساندة البلدان النامية باجبارها على فتح أسواقها لمنتجات البلدان الصناعية المتقدمة التي هي نفسها تستمر في حماية الاسواق الخاصة بها. ان طبيعة هذه السياسات تجعل الاغنياء أكثر ثراء والفقراء أكثر فقرا وأكثر سخطا."

ما هي أسباب انفصام الليبرالية اليوم

هناك عدة اتجاهات تعطي أجوبة عن هذا الموضوع وهنالك الاتجاه الأول الذي ينخرط عموما في الفكر الاقتصادي والسياسات الليبرالية الجديدة التي اعتمدت منذ الثمانينيات من القرن العشرين، يختصر الأزمة في أنها أزمة مالية أساسا انطلقت من أزمة "الرهون العقارية"، أي من المجال المالي، وتفاقمت شيئا فشيئا لتمس مجال الاقتصاد الحقيقي وتتحول إلى انكماش يظهر بالأساس في انخفاض معدلات نمو الناتج المحلي الخام للدول والعالم وفي تراجع الطلب والإنتاج في عدد من القطاعات الإنتاجية والخدماتية وأساسا قطاعات صناعة السيارات والأشغال العمومية والبناء والسكن والنقل (البحري على الخصوص)، وهو ما ينعكس في الانخفاض الكبير في طلبات هذه القطاعات وإنتاجها وفي رقم أعمالها وأرباحها، كما ينعكس جليا في غلق عدد من الوحدات الإنتاجية وتسريح العمال أو إحالتهم على البطالة التقنية (وصل عدد العمال المسرحين في الولايات المتحدة وحدها سنة 2008 ما لا يقل عن 2.6 مليون[6]

أما الاتجاه الثاني من المفكرين الذي يضم عدد كبير من الباحثين في العلوم الإنسانية وبالتحديد علم الاقتصاد وعلم الاجتماع ومن تيارات مختلفة تضم أساسا الكينزيين والكينزيين الجدد واليسار الماركسي وغير الماركسي تتفق في مسألة جوهرية هي معارضة الفكر الليبرالي الجديد والسياسات الليبرالية الجديدة التي اعتمدت منذ 1980 التي يعتبرونها سياسات انكماشية لم تشجع على النمو بل هي سبب الأزمة بذاتها.وتقول ان أزمات النظام الاقتصادي الرأسمالي هي أزمات فيض إنتاج عكس الأزمات الماقبل رأسمالية التي كانت تظهر على شكل أزمات نقص إنتاج. أما أسبابها فهو الميل التاريخي لإفقار فئات واسعة من المجتمع دائما أكثر فأكثر والذي يؤدي لاختلال بين العرض والطلب، وهذا نتيجة التناقض بين الشكل الفردي للتملك والطابع الاجتماعي للإنتاج وقانون الميل لانخفاض معدلات الإنتاج (ماركس) والتوزيع التعسفي وغير المنصف للدخل نتيجة فوضى السوق وعجز النظام الاقتصادي على تحقيق التشغيل الكامل للموارد (جون ماينر كينز. وعليه الأزمة الاقتصادية بصفة عامة هي ملازمة ومصاحبة لوجود النظام الرأسمالي نفسه و ، وهي أحد تعابير صعوبة وجوده وفي نفس الوقت ومصدر استمراريته وديمومته، إذ هي في آن واحد حدث يهدم ويعطل جزء كبير من طاقته الإنتاجية (تراجع الإنتاج، غلق وتصفية الوحدات الإنتاجية، البطالة، خسائر مالية ضخمة..) وهو فرصة لإعادة ترتيب "شؤون البيت" وإعادة هيكلة القطاع الإنتاجي وضع نظام جديد من التراكم والنمو والتوزيع وإعادة التوازن.

 

 

نتائج السياسات الليبرالية الأقتصادية : ركود أقوى مما يبدو عليه:

لا يعكس الانكماش المتواضع نسبياً الذي اتصف به إجمالي الناتج المحلي العالمي العام 2009 (-0,6%) اشتداد الأزمة الحقيقي، أولاً لأن الفصلين اللذين انهار فيهما الاقتصاد (الفصل الرابع من العام 2008 والفصل الأول من العام 2009) لم يأتيا في العام نفسه، ما يميل على إنقاص الرقم الذي سجله العام 2009، إذ أن نصف الانكماش قد حصل في نهاية العام السابق، ولأن إجمالي الناتج المحلي يتضمن قدراً أكبر بكثير من الأنشطة (مثل التربية والصحة والدفاع الوطني) التي لا تتراجع بالضرورة في حالات الكساد.

الجدول 2: الإنتاج العالمي وفق مجموعات الدول (معدل النمو السنوي لإجمالي الناتج المحلي).

 

1988-1998

1998-2008

2008

2009

2010 (*)

العالم

2,9

4,0

3,0

-0,6

4,5

الدول المتقدمة (**)

2,7

2,5

0,5

-3,2

2,5

الدول الناشئة والنامية (*)

3,3

6,1

6,1

2,4

6,0

(*)الفصل الأول من العام 2010 بالنسبة إلى الفصل نفسه من السنة السابقة، (**) تشمل الدول المتقدمة الجديدة: مالطا، قبرص، سلوفاكيا، سلوفانيان الجمهورية التشكيكية، إسرائيل، تايوان، سنغفورة، هونغ كونغ، وكوريا الجنوبية، (***) بما فيها الدول المتحولة.

إذا تركّز البحث على تطور المجالات الاقتصادية بامتياز في السنة التي سبقت سنوات قعر الركود (من الفصل الأول من العام 2008 إلى الفصل الأول من العام 2009)، يلاحظ أن الانكماش كان أكبر بكثير. ففي خلال هذه الحقبة، تراجع الإنتاج الصناعي بنسبة 13% في العالم، و33% في اليابان، و18% في منطقة اليورو، و12% في الولايات المتحدة. وفي الآونة نفسها، انخفضت الصادرات (بالدولارات المتداولة) بنسبة 30% في العالم و 42% في اليابان، و 31% في منطقة اليورو، و 22% في الولايات المتحدة.

الجدول 3: الدول المتقدمة (*) (معدل النمو السنوي لإجمالي الناتج المحلي)

 

1988-1998

1998-2008

2008

2009

2010 (*)

الولايات المتحدة

3,1

2,6

0,4

-2,4

2,5

اليابان

2,0

1,2

-1,2

-5,2

4,2

كندا

2,1

2,9

0,4

-2,6

2,2

"النمور الأربعة" (***)

6,2

5,0

1,8

-0,9

10,7

المملكة المتحدة

2,1

2,6

0,5

-4,9

-0,2

منطقة اليورو

2,3

2,1

0,6

-4,1

0,6

ألمانيا (****)

2,5

1,5

1,3

-5,0

1,5

فرنسا

1,9

2,0

0,3

-2,2

1,2

إيطاليا

1,6

1,2

-1,3

-5,0

0,6

(*) تشمل الدول المتقدمة الجديدة: مالطا، قبرص، وسلوفاكيا، سلوفينيا، والجمهورية التشيكية، إسرائيل، وتايوان، سنغافورة، هونغ كونغ، وكوريا الجنوبية، (**) الفصل الأول بالنسبة إلى الفصل نفسه من السنة الفائتة، (***) تايوان، سنغافورة، هونغ كونغ، وكوريا الجنوبية (****) الإقليم الغربي فقط حتى العام 1990.

المصدر: صندوق النقد الدولي، The World Economic Outlook (WEO), Database, Avril 2010.

 

الجدول 4: الدول الناشئة والنامية (معدل النمو السنوي لإجمالي الناتج المحلي).

 

1988-1998

1998-2008

2008

2009

2010 (*)

أوروبا الوسطى والشرقية

1,4

4,3

3,0

3,7

-

دول مبادرة أوروبا الوسطى

-

7,1

5,5

-6,6

-

إفريقيا جنوب الصحراء (**)

2,3

5,6

5,5

2,1

-

آسيا

7,2

8,0

7,9

6,6

-

الشرق الأوساط وإفريقيا الشمالية (***)

4,3

4,8

5,1

2,4

-

أميركا اللاتينية

3,0

3,4

4,3

-1,8

-

(*) الفصل الأول من العام 2010 بالنسبة إلى الفصل نفسه من السنة السابقة، (**) من دون مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب، (***) بما فيه مصر وليبيا وتونس والزائر والمغرب.

المصدر: صندوق النقد الدولي، The worlds Economic Outlook (WEO), Database, avril 2010.

 

الجدول 5: الدول المتحولة (معدل النمو السنوي لإجمالي الناتج المحلي)

 

1988-1998

1998-2008

2008

2009

2010 (*)

أوروبا الوسطى والشرقية

1,4

4,3

3,0

-3,7

-

بلغاريا

-5,7

5,3

6,0

-5,0

-4,0

المجر

-0,3

3,6

0,6

-6,3

-0,8

دول البلطيق

-

6,3

-1,4

-15,6

-3,3

بولونيا

2,5

4,2

5,0

1,7

2,8

الجمهورية التشيكية

-

3,9

2,5

-4,3

1,2

رومانيا

-2,9

5,1

7,3

-7,1

-3,2

سلوفاكيا

-

5,1

6,2

-4,7

4,5

سلوفانيا

-

4,4

3,5

-7,3

-0,8

دول مبادرة أوروبا الوسطى

-

7,1

5,5

-6,6

-

بيلاروسيا

-

7,5

10,0

0,2

4,0

روسيا

-

6,8

5,6

-7,9

2,9

أوكرانيا

-

6,1

2,1

-15,1

5,0

(*) الفصل الأول من العام 2010 بالنسبة إلى الفصل نفسه من السنة السابقة.

المصدر: صندوق النقد الدولي، The World Economic Outlook (WEO), Database, avril 2010.

أما في ما يتعلق بعدد العاطلين عن العمل في العالم، فقد سجل زيادة 34 مليون شخص بين كانون الثاني/ يناير 2008 ونيسان / أبريل 2010، لكن النتائج تباينت بشدة بين دولة وأخرى في هذه الحالة أيضاً. ففي إسبانيا على سبيل المثال، ازداد معدل البطالة عشر نقاط ليبلغ نسبة 20% من القوى العاملة. وفي الولايات المتحدة، ارتفع بنسبة 5 نقاط ليبلغ الذروة بمعدل 10,1%. وفي فرنسا، ازداد 2,9 نقطتين فحسب، ولكن بما أن المستوى كان أعلى منذ البداية، فقد تجاوز معدل 10%. و خلافاً للأفكار التي سادت عشية الأزمة، ليست الدول التي طبقت إرشادات المؤسسات العالمية (صندوق الدولي...) هي حكماً تلك التي تخطت الأزمة بأقل الأضرار الممكنة. فأسواق عمل مرنة أكثر من سواها، وضرائب أقل من ضرائب دول أخرى، وأنظمة مالية أكثر تحرراً من النظم والقوانين، وميزانيات فائضة، ووصفات كثيرة كانت رائجة لم تستطع كلها أن تحمي "التلامذة النجباء" الذين رأوا الأنسجة الاقتصادية في دولهم تتشوه وتصبح هشة بفعل فروع غير متناسقة تركوها تنمو، فاتجهت الرساميل نحوها بعفوية، مثل المجال العقاري (في إسبانيا)، أو المالي (في إيسلندا والمملكة المتحدة).

أمام حالة الركود هذه، تراجع الثناء على الإستراتيجيات الاقتصادية التي كانت قد اعتمدتها إيسلندا وإسبانيا وإيرلندا ودول البلطيق أو حتى بريطانيا توني بلير. بل على العكس، طرح سؤال عن العبر التي يمكن استخلاصها من كل دولة آسيوية صمد نموذجها بشكل أفضل أمام موجة التحرير التي شهدتها السنوات الثلاثون السابقة. وهذا أحد التعليلات التي غالباً ما كانت تقدم لتفسير مقاومة آسيا للأزمة العالمية، بحسب ما يذكر به كيشور محبوباني، عميد كلية لي موان للسياسة العامة في سنغفورة، وبالواقع القائل إن "كل الدول الآسيوية عملياً تمنعت عن التمثّل بالولايات المتحدة من حيث تحرير أسواقها المالية  من النظم والقوانين"([7]).

الجدول 6: الحصة من إجمالي الناتج المحلي العالمي (بالـ %)

 

1980

1990

2000

2007

2008

2009

الدول المتقدمة

63,8

64,0

63,0

56,4

55,1

53,9

الولايات المتحدة

22,5

22,6

23,6

21,3

20,8

20,5

اليابان

7,9

9,1

7,6

6,5

6,3

6,0

كندا

2,2

2,1

2,1

1,9

1,9

1,8

الاتحاد الأوروبي (27)

29,6

27,1

25,1

22,4

22,0

21,3

المملكة المتحدة

3,9

3,7

3,6

3,3

3,2

3,1

ألمانيا

6,1

5,6

5,1

4,3

4,2

4,0

فرنسا

4,3

4,0

3,6

3,1

3,1

3,0

إيطاليا

4,1

3,8

3,3

2,7

2,6

2,5

الدول النامية

36,2

36,0

37,0

43,6

44,9

46,1

أفريقيا جنوب الصحراء (**)

2,4

2,2

2,0

2,3

2,3

2,4

أميركا اللاتينية

10,3

8,6

8,8

8,5

6,6

8,5

آسيا

7,2

10,0

15,1

20,1

21,0

22,5

الصين

2,0

3,6

7,2

10,8

11,4

12,5

الهند

2,2

2,8

3,6

4,5

4,7

5,1

الشرق الأوسط (***)

4,6

4,0

4,2

4,7

4,8

5,0

العالم

100,0

100,0

100,0

100,0

100,0

100,0

(*) تشمل الدول المتقدمة الجديدة: مالطا، قبرص، سلوفاكيا، وسلوفانيا، إسرائيل، وتايوان، سنغفورة، هونغ كونغ، وكوريا الجنوبية، (**) من دون مصر وليبيا وتونس والزائر والمغرب (***) بما فيه مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب.

المصدر: صندوق النقد الدولي ، [8]The world Economic Outlook (WEO), Database, avril 2010.

 

 

 

الجدول 7: مجموع الدين الخارجي (بمليارات الدولارات)

 

1980

1990

2000

2008

2009

مجموع الدول النامية

613,8

1380,5

2370,7

4588,1

4805,5

أفريقيا جنوب الصحراء(*)

66,5

166,9

209,4

206,3

214,6

آسيا

110,1

331,7

655,1

1088,0

1171,0

أوروبا الوسطى والشرقية

84,1

150,7

280,4

1058,9

1107,7

دول مبادرة أوروبا الوسطى

20,4

89,6

210,2

725,7

703,8

أميركا اللاتينية

231,8

452,1

763,0

855,8

927,9

الشرق الأوسط (**)

100,9

189,4

252,7

653,4

680,6

(*) من دون مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب (**) بما فيه مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب.

المصدر: صندوق النقد الدولي، The World Economic Outlook (WEO), Database, avril 2009.

الحكومات الأكثر تحفظاً حيال "الإخلال" بسير عمل الأسواق أممت هي الأخرى مصارف وشركات تأمين وشركات سيارات. جرى ذلك كله كما لو أن الدول قد سمحت بتزايد ديونها العامة من أجل تفادي تزايد الديون الخاصة، التي كان يمكن لها أن تتسبب في حالات إفلاس متسلسلة. وهكذا ارتفعت الديون العامة للدول المتقدمة، التي كانت بلغت 75% من إجمالي الناتج المحلي عشية الأزمة، إلى 95% منه في منتصف العام 2010. وقدر أن النسبة قد تبليغ 10% من هذا الديني الإضافي كان مردها الفعلي إلى خطط الإنعاش: بحسب صندوق النقد الدولي، "اختلفت توازنات الموازنات بشكل رئيس بسبب تراجع مداخل الضرائب الذي أدى إليه تراجع الحركة الاقتصادية الفعلية والمالية"([9]).

الجدول 8: إجمالي الناتج المحلي للفرد (*) (الولايات المتحدة= 100)

 

1977

1987

1997

2007

2008

2009

الولايات المتحدة

100,0

100,0

100,0

100,0

100,0

100,0

اليابان

69,2

74,4

80,0

72,9

72,1

70,2

كندا

89,7

88,0

80,7

82,9

82,9

82,3

المملكة المتحدة

70,0

70,4

73,9

75,7

75,7

73,8

الاتحاد الأوروبي (27)

-

62,8

62,5

64,3

64,9

64,1

منطقة اليورو (16)

-

69,1

70,7

70,7

70,7

69,5

ألمانيا (**)

77,9

76,6

77,7

75,0

75,0

74,5

فرنسا

76,1

72,8

71,7

70,0

70,0

70,2

إيطاليا

71,0

74,3

74,5

67,1

65,7

64,5

(*) يحسب إجمالي الناتج المحلي وفق طريقة أسعار الـ-0,3صرف المحسوبة بتعادل القوى الشرائية، (**) أعادت وضع الأرقام الأمانة العامة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وهي تتعلق بألمانيا في حدودها الحالية.

المصدر منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، -Comptes nationaux des de L'OCDE, Princ paux agrégats, 2010.

 

الجدول 9: الإنتاج الصناعي (معدل النمو السنوي)

 

1978-1988

1988-1998

1998-2008

2008

2009

2010(*)

الولايات المتحدة

2,0

3,4

1,3

-2,2

-9,8

5,2

اليابان

4,2

0,6

1,1

-3,2

-21,3

24,9

كندا

2,

2,0

0,9

-5,3

-11,3

4,6(*)

المملكة المتحدة

1,1

1,1

-0,3

-3,0

-10,8

0,7

منطقة اليورو

1,2

1,8

1,6

-1,7

-15,1

9,

ألمانيا

1,4

1,3

2,6

0,3

-17,8

13,9

فرنسا

1,1

1,5

0,5

2,1

-12,0

9,0

إيطاليا

2,1

1,3

0,1

-3,5

-18,4

7,8

(*) نيسان / أبريل 2010  بالنسبة إلى الشهر نفسه من السنة السابقة. (**) آذار/ أبريل 2010 بالنسبة إلى الشهر نفسه من السنة السابقة.

المصدر: منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ويوروستات[10].

الخروج من الأزمة أم الغرق فيها مجدداً؟

في الفصل الثاني من العام 2009، عاد إجمالي الناتج المحلي العالمي إلى الارتفاع. وقد ازداد في منتصف السنة الثاني وبداية 2010، بمعدل يتراوح بين 4 و 5%: 2,5% في الدول المتقدمة و 6% في الدول النامية. وانقسمت الآراء بشدة بشأن عودة هذا النمو الذي وصفه صندوق النقد الدولي بأنه انتعاش سريع جداً وهش.

الجدول 10: العمالة (معدل النمو السنوي)

 

1978-1988

1988-1998

1998-2008

2008

2009

2015,10(*)

الولايات المتحدة

1,8

1,4

1,0

-0,4

-3,8

0,4

اليابان

1,1

08

-0,2

-0,4

-1,7

0,6

كندا

2,2

1,0

2,0

1,5

-1,6

0,4

المملكة المتحدة

0,4

0,3

0,9

0,7

-1,6

0,0

منطقة اليورو

0,5

0,6

1,4

0,8

-1,5

0,0

ألمانيا

0,6

0,4

0,8

1,8

-0,3

0,

فرنسا

0,1

0,2

1,1

1,5

-0,8

0,6

إيطاليا

0,5

-0,3

1,4

0,8

-1,6

-

(*) الفصل الأول بالنسبة إلى الفصل الرابع من السنة السابقة.

المصدر: قاعدة معلومات المكتب الإحصائي للمفروضية الأوروبية ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية[11].

 

 

 

الجدول 11: معدل البطالة (*) (% من السكان العاملين)

 

1980

1990

2000

2008

2009

2010(*)

الولايات المتحدة

7,1

5,6

4,0

5,8

9,3

9,9

اليابان

2,0

2,1

4,7

4,0

5,1

5,

كندا

7,5

8,1

6,8

6,1

8,3

8,1

المملكة المتحدة

5,6

6,9

5,4

5,6

7,6

8,0 (***)

الاتحاد الأوروبي (27)

5,8

7,2

8,7

7,0

8,9

9,7

منطقة اليورو

6,0

7,5

8,5

7,6

9,4

10,1

ألمانيا

2,7

4,8

7,5

7,3

7,5

7,1

فرنسا

6,1

8,4

9,0

7,8

9,5

10,1

إيطاليا

7,1

8,9

10,1

6,8

7,7

8,9

(*) المعدلات المنمطة التي احتسبتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، (**) نيسان / أبريل 2010: (***) الفصل الأول من 2010.

المصدر: منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية[12]

الى اين نذهب من هنا ؟

والبديهي تأكيده أن هذه الأزمة هي أبعد من أن تكون أزمة مالية بقدر ما هي أزمة هيكلية عامة تمس بنيات نظام التراكم الرأسمالي الحالي في شكله الليبرالي الجديد، كما هي أزمة تعديل هذا النظام، هي كذلك أزمة متعددة الأبعاد، فهي في آن واحد أزمة مالية وغذائية وبيئية مما يجعل عدد من الباحثين يميلون للقول أنها أزمة كونية لنمط استغلال الثروات البشرية وتوزيعها التي ولّدت مشاكل كونية مثل مشكل الفقر والمجاعات ومسألة المياه والتصحر...إلخ، كما أنها أزمة تسيير شؤون العالم ككل. الأزمة الراهنة لم تقوض أسس الليبرالية إنما دعوة الفصل بين السياسي والاقتصادي التي تبرز اليوم بمثابة الخدعة والخرافة ايديولوجية.

يقول فرانسيس فوكوياما[13] : " لن تستمر الولايات المتحدة في مكانتها المهيمنة التي حظيت بها حتى الآن، وهو ما أكده الغزو الروسي في 7 أغسطس اب 2008 لجورجيا، علاوة على ذلك ستتراجع قدرة واشنطن على صياغة الاقتصاد العالمي عبر الاتفاقات التجارية وصندوق النقد والبنك الدوليين، وستتقلص مواردنا الاقتصادية في الوقت ذاته، وفي الكثير من أنحاء العالم ستلقى الأفكار والنصائح، بل والمساعدات الأمريكية، قبولا أقل عما عليه الحال الآن"... و يضيف "لكن عودتنا من جديد تعتمد هذه المرة على قدرتنا على إقرار عدد من التغييرات الجوهرية؛ حيث يجب علينا أن ننهي اتباعنا للسياسات التي ورثناها عن الحقبة الريجانية فيما يتعلق بخفض الضرائب وتقليص التنظيمات، أيضا يجب إعادة بناء القطاع العام وإضفاء هالة جديدة من العزة عليه، خاصة وأن هناك وظائف معينة لا يمكن لجهة سوى الحكومة الاضطلاع بها"[14].

الا هو التبشير بنهاية التاريخ …اقتصاديا ؟

 



[1] TARP - Troubled Asset relief Program برنامج أمريكا لإنقاذ الموجودات المتعثرة ـ المعروف باسم تارب ما بعد إفلاس ليمان. وسمح البرنامج للرئيس باراك أوباما، ولسلفه جورج دبليو بوش، بالالتفاف للحصول على موافقة مجهدة من جانب الكونجرس، وتخصيص 700 مليار دولار لإنقاذ نظام مالي منهار

[2] نوريال روبيني، أستاذ الاقتصاد في جامعة نيويورك رئيس مجلس إدارة شركة 'روبيني غلوبال إيكونوميكس' للاستشارات الاقتصدية وأول من تنبأ بحدوث الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالأسواق قبل نحو عامين ا

[3] برهان غليون الحوار المتمدن - العدد: 2447 - 2008 / 10 / 27 المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر

[4] ستجليتز أستاذا جامعيا في كينيا بين عامي 1969 و1971 ومارس التدريس في بعض الجامعات الامريكية وترك الجامعة عام 1993 لينضم الى مجلس المستشارين الاقتصاديين التابع للرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون ثم انتقل الى البنك الدولي عام 1997 حيث شغل منصب النائب الاول لرئيسه حتى يناير كانون الثاني 2000. ويضم مجلس المستشارين الاقتصاديين ثلاثة خبراء يعينهم الرئيس الامريكي لتقديم الاستشارات الاقتصادية لمؤسسات السلطة النتفيذية الامريكية. وكان ستجليتز عضوا بهذا المجلس ثم أصبح رئيسا له - وأتاح عمل ستجليتز في البنك الدولي أن يزور عشرات الدول ويقابل ألوفا من المسؤولين والخبراء وأساتذة الجامعات والمناضلين والطلبة والمزارعين في نيبال والهيمالايا والصين وبنجلادش وكوريا واثيوبيا والمغرب. وقال "رأيت التاريخ وهو يصنع." لكنه لخص تلك التجربة قائلا "تأكدت أن القرارات تتخذ غالبا على أسس أيديولوجية وسياسية... يصبح الجامعيون (في البنك الدولي) عندما يضعون التوصيات مسيسين ويلوون الحقائق لتتناسب مع أفكار المسؤولين." وأشار أيضا الى أن اتخاذ القرار في صندوق النقد الدولي "يعتمد على ما يبدو على خليط غريب من الايديولوجيا والاقتصاد الرديء" مشيرا الى أن الدول النامية حين تلتمس من الصندوق العون في أكثر المواقف سوءا لا تعي أن حالات فشل العلاج لا تقل ان لم تزد على حالات النجاح.

 

[5] وصف جلال أمين أستاذ الاقتصاد بالجامعة الامريكية في القاهرة الكتاب في المقدمة بأنه "من أهم الكتب الاقتصادية التي صدرت خلال الاعوام العشرة الاخيرة على الاقل" مشيرا الى أن مؤلفه حين قبل منصبي رئيس مجلس مستشاري الرئيس الامريكي وكبير الاقتصاديين في البنك الدولي كان يريد أن يرى كيفية صياغة السياسات الاقتصادية "ومن المؤكد أن ما راه ستجليتز لم يعجبه." وصدر الكتاب في بريطانيا عام 2002 أما طبعته العربية الاولى التي ترجمتها المصرية لبنى الريدي فصدرت عن دار ميريت بالقاهرة في 334 صفحة كبيرة القطع.

[6] وبالرغم من التوقعات المتشائمة جدا لصندوق النقد الدولي بالنسبة للسنة الجارية، الذي يرى أنه من المتوقع أن لا يتعدي معدل النمو العالمي 0.5% وهو المعدل الأدنى منذ الحرب العالمية الثانية، أما البلدان الآسيوية التي تعتبر مقطورة النمو العالمي فمعدل نموها سيقع في حدود 2.7%، فإن هذه المؤسسة ومعها عدد من حكومات البلدان المتطورة والخبراء الاقتصاديين يضربون موعدا مع النمو في نهاية سنة 2009 وبداية سنة 2010، هذه الأخيرة التي يتوقع صندوق النقد الدولي أن يكون معدل النمو العالمي فيها أكثر من 2% وفي بلدان أسيا في حدود 5% (8% في الصين و6.5% في الهند، و4.1% في مجموعة ال ASEAN) ).

([7]) United Nations Economic Commission for Asia and the "Pacific, New York, mars 2009. http://www.unescap.org/survey2009.                                                        

[8] قاعدة معلومات المكتب الإحصائي صندوق النقد الدولي

([9]) FMI, World Economic Outlook, avril 2010, Fig. 17, P.9                                         

[10] قاعدة معلومات المكتب الإحصائي للمفروضية الأوروبية ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية http://epp.eurostat.ec.europa.eu/portal/page/portal/product_details/publication?p_product_code=KS-CD-10-220

[12]  Oecd.org

[13] يوشيهيرو فرانسيس فوكوياما كاتب ومفكر أمريكي الجنسية من أصول يابانية ولد في مدينة شيكاغو الأمريكية عام 1952 م. يعد من أهم مفكري المحافظين الجدد. من كتبه كتاب (نهاية التاريخ والإنسان الأخير) و(الانهيار أو التصدع العظيم).

[14] مقال نشر على موقع مجلة نيوزويك الأمريكية يوم 4 أكتوبر 2008، تحت عنوان: "سقوط أمريكا The Fall of America, Inc.".



[i]


--

Maan Barazy

Certified Shari'a Adviser and Auditor (CSAA- AAOIFI Certified) - MA Islamic Comparative Jurisprudence  - BS International Economics 

Managing Partner And CEO of Data and Investment Consult-Lebanon – The Centre For Islamic Finance - Consultant Researcher and Lecturer


--
--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "Kantakji Group" group.
To post to this group, send email to kantakjigroup@googlegroups.com
To unsubscribe from this group لفك الاشتراك من المجموعة أرسل للعنوان التالي رسالة فارغة, send email to kantakjigroup+unsubscribe@googlegroups.com
For more options, visit this group at
http://groups.google.com/group/kantakjigroup?hl=en
سياسة النشر في المجموعة:
ترك ما عارض أهل السنة والجماعة... الاكتفاء بأمور ذات علاقة بالاقتصاد الإسلامي وعلومه ولو بالشيء البسيط، ويستثنى من هذا مايتعلق بالشأن العام على مستوى الأمة... عدم ذكر ما يتعلق بشخص طبيعي أو اعتباري بعينه باستثناء الأمر العام الذي يهم عامة المسلمين... تمرير بعض الأشياء الخفيفة المسلية ضمن قواعد الأدب وخاصة منها التي تأتي من أعضاء لا يشاركون عادة، والقصد من ذلك تشجيعهم على التفاعل الإيجابي... ترك المديح الشخصي...إن كل المقالات والآراء المنشورة تُعبر عن رأي أصحابها، ولا تعبّر عن رأي إدارة المجموعة بالضرورة.
 
 
 

No comments:

Post a Comment