Friday 28 October 2011

{Kantakji Group}. Add '10318' دقيقة نقاش الأسبوعية - صناعة القيمة في سوق دمشق

جريـــدة القــنديــل الاقتصــادية الأســـبوعية :

إعداد د.محمد وائل سعيد حبش

دكتوراه في الأسواق المالية

دقيقــة نقاش :

صناعة القيمة في سوق دمشق :


ارتكبنا خطأ منذ البداية عندما اعتقدنا أن تقليدنا للأسواق المالية العربية المجاورة سيكفل نجاح سوق دمشق للأوراق المالية و أن المنافسة بالأساليب التقليدية سيضمن النجاح للسوق في حين لم تكن محاكاة القوانين نفسها و الأطر نفسها للأسواق المجاورة سوى محاولة ليبصر سوق دمشق المالي النور و لكن ضمن الحد الأدنى للبقاء وهذا مانراه جلياً من حيث حجم التداول  والإقبال و منحنى الأسعار و ضيق اتساع الثقافة المالية لدى الجمهور و حتى لدى المساهمين أنفسهم في مواضع كثرة .

لقد اعتقدنا أن الحصول على تشريعات و قوانين الغير و طرحها في السوق المالي سيؤدي بحد ذاته بإنتاج سوق مالي متفرد متميز لكننا نعلم اليوم يقيناً أن التميز و القفزة في سوق دمشق لن تتم بهذه الطريقة و أن إسقاط المعلومات و تحليلها على الرغم من أهميتها في هذه المرحلة  إلا أنها لا تكفي وحدها لإنتاج سوق مالي يتفاعل مع الظروف الاقتصادية العامة التي تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم .

وعادة ما يكون حل المشكلات أمراً طارئاً ويستلزم حلولاً مستعجلة إلا أننا نواجه حتى بطريقة حل المشاكل  مشكلة محتدمة و التي تتمثل بالبطء في حل المشاكل أولاً و بانشغالنا في حل المشاكل المتكاثرة المتراكمة عن الأمور التي تهم بالحقيقة وهي الارتقاء بسوق دمشق المالي من ضمن حقل المنافسة مع الأسواق الأخرى إلى حقل مافوق المنافسة أي الانصراف عن محاولتنا المستمرة باستنساخ سوقنا مثل أسواق أخرى إلى ابتكار أســاليبنا التي تلائم مقتضيات التعقيد الاقتصادي السوري أي بمعنى آخر التركيز على التصميم و الإبداع أكثر من التحليل و استنساخ حلول الأسواق العربية الأخرى فنتيجة التقليد أظهرت السوق ميدانياً ضعيفاً ينازع في البقاء .

لقد كان أرسطو رائد المنطق الفكري القائم على إظهار العيوب و الخلل تمهيداً لتصحيحها لننتقل في عملية التطور إلى درجة أعلى لكننا في هذه المرحلة نعاني من ضعف التطبيق الفعال لمبدأ أرسطو في التفكير كما أننا نفتقر مستوى آخراً في المنطق الفكري وهو الإبداع من الموجود نفسه ، هذا المستوى الذي برع فيه اليابانيون كثيراً في نهضتهم الصناعية والتكنولوجية لأن هذا المستوى من التفكير يلائم المشكلات التي لا يمكن إزالة أسبابها بسبب تعقيداتها و ترابطها مع روابط قانونية اقتصادية اجتماعية وهنا نعود إلى المبدأ الذي تكلمنا عنه سابقاً في ضرورة وجود الخطة المستقبلية المزودة برؤيا وليست فقط أجندة تنفيذية لأن مثل هذه الأجندات تضمن البقاء و لكنها لا تضمن النجاح .

ففي عالم المال والأعمال نجد أن العديد من المفاهيم و المعادلات البسيطة تحقق نجاحاً هائلاً و لكن ما تلبث الأمور أن تبدأ بالانحدار والانهيار وتفسير ذلك أن النموذج الذي تم تأسيسه كان ملائماً للظروف أثناء تأسيسه إلا أنه لم يعد كذلك بسبب تغير ظروف السوق والعوامل المحيطة بالسوق ولذلك فإن النماذج المقلدة أو المحاكية لنماذج موجودة في دول أخرى قد تبدو في البداية ناجحة بسبب التسرع في الحكم عليها أولاً و بسبب تشابه عوامل السوق ظاهرياً ثانياً إلا أننا نعود هنا لمفهوم الخصوصية أي أن لكل سوق عوامل و ظروف تؤدي إلى نجاح النماذج المالية أو إسقاطها فالاقتصاد علم تجريبي إنساني تتغير معادلاته بتغير العوامل المؤثرة على منحنى الزمن .

إذاً نطمح من أجل النجاح في سوق دمشق المالي إلى صناعة القيمة الخاصة بهذا السوق أي أن ننظر بالفراغات المحيطة به لتتكامل مع قيم التكامل الأخرى الموجودة وعلينا في تعريفنا لهذا المفهوم ألا نقع بفخ مصطلح " الخصوصية السورية " و الذي استخدم سابقاً لتعليق جميع عثراتنا و أخطائنا و تقصيرنا على الخصوصية السورية فلا شك أن لكل مجتمع و دولة خصوصيتها ولكن تلك الخصوصية التي تحفز على الإبداع و الابتكار و التفرد لا إلى الانغلاق و الكسل و تجميد الفكر .

إن التطور الطبيعي القائم على حل المشكلات اليومية ومن ثم تجاوزها هو أقل الطرق فعالية لصناعة القيمة و إن كان أبرز مفاهيم الإدارة التقليدية هي الاستخدام الأمثل للموارد المحدودة أي بمعنى آخر" الكفاية " فإن صناعة القيمة التي نريدها تتجاوز هذا المفهوم لنبلغ مفهوماً آخر وهو " الفعالية " و لعل أبرز معوقات الفعالية هو الرضى عن طريقة إدارتنا و عملنا و تطويرنا ومن المرجح أن تكون مصادر أسباب الرضى  الخوف من المجهول أو انعدام الرؤيا أو انعدام الطموح و للأسف كلها أسباب نعيشها يومياً ضمن الثقافة الاقتصادية السورية .

نحن نحتاج إلى ثورة في المفاهيم الاقتصادية وإلى رغبة جادة في إعادة النظر في هذه المفاهيم فكما نحتاج إلى الإبداع في القطاعات الإنتاجية  لدينا فإننا نحتاج أيضاً إلى الإبداع في تلك المفاهيم التي تؤطر العمل الفكري و تحوله إلى صيغة تفاعلية قابلة للتطبيق في ميادين الاقتصاد و المال كافة وفي سوق دمشق المالي خاصة .

No comments:

Post a Comment