Sunday 26 February 2012

{Kantakji Group}. Add '10784' دقيقة نقاش الأسبوعية - العلاقة بين الدستور و النهج الاقتصادي السوري

 جريـــدة القــنديــل الاقتصــادية الأســـبوعية :

إعداد د.محمد وائل سعيد حبش

دكتوراه في الأسواق المالية

دقيقــة نقاش :

الحقـيقــة المـؤلمــة (3)  :

 

استكمالاً لسلسلة الحقائق المؤلمة و أمام هذه المنحنيات  في الاقتصاد السياسي السوري فكان من الضروري الاستمرار في إلقاء الضوء على تطورات المشهد الاقتصادي السياسي السوري السابق و تطوراته و التي أسهمت في ولادة السوق المالي فمنذ الانفتاح الاقتصادي مع بداية العقد الماضي و الاستعدادات كانت لإقامة سوق للأوراق المالية و ازدادت هذه الحاجة بعد انعقاد عدة اجتماعات سياسية اقتصادية في منتصف العقد الماضي وثم القرار بالتحول من الاقتصاد الاشتراكي إلى اقتصاد السوق الاجتماعي و الذي من أدواته الشركات المساهمة العامة و سوق الأوراق المالية ولعل تجارب دول الاقتصاد الموجه كالصين في الانفتاح الاقتصادي قد ولدت قناعات راسخة لدى واضعي النهج الاقتصادي الجديد في سوريا بأن اقتصاد السوق الاجتماعي يجب أن يكون لغايات تنموية استثمارية مع أخذ العدالة الاجتماعية أساساً في هذا التحول الاقتصادي وباعتبار أن مؤسسي الفكر الاقتصادي  السوري الجديد هم من جيل الاقتصاد الاشتراكي الموجه فقد كانت ثمرة الممازجة بين الفكر الموجه والشكل الحر اقتصاداً لا يعرف الاشتراكية سوى في سطوتها ولا يعرف اقتصاد السوق سوى في تضخم كلف المعيشة وكانت  سوق دمشق للأوراق المالية ثمرة هذا الاقتصاد المختلط الغير متجانس أمام ارتباك تجاه القطاع غير المنظم و الذي لا ينتمي للاشتراكي كما لا ينتمي للاقتصاد الحر بل عشوائية اقتصادية عبرت عن مركزية اقتصادية سابقة وعجزاً عن نهج جديد لاحتوائها .

 

إن هذا النهج الاقتصادي الجديد في اقتصاد السوق الاجتماعي قد عرج على النهوض بالاقتصاد الوطني فتم تفسير هذا النهج بالاقتصاد الذي يدور في فلك القطاع العام و قدرة مؤسساته الاقتصادية على منافسة القطاع الخاص فكان اقتصاد السوق الاجتماعي  يعني اقتصاداً مركزياً بدمى اقتصادية خاصة و صلاحيات منقولة إلى برجوازيين حكوميين مع محدودية القطاعات الحيوية التي من الممكن الاستثمار فيها وأما القطاعات التي تدخل في  منافسة القطاع الحكومي لها دفع بهذه الشركات نحو مجاراة العام بالسعي  وراء الأكثر ربحية و الأقل نفعية على صعيد الاقتصاد الوطني .

ولذلك منذ افتتاح  سوق دمشق المالي و أما تفسيرات عرجاء لاقتصاد السوق الاجتماعي فشلت هذه الشـركات في تشكيل اقتصاد السوق الحر أمام  محاولات من البنك المركزي تدفع القطاع البنكي الخاص في توسيع رأسماله أمام التغاضي  عن ضعف صلاحيات هذه الشركات المساهمة العامة أمام انحسار الفكر التمويلي المساهمي في ظل مغريات اقتصاد الظل الذي يبدو معادلة ثالثة خارج النهج الاشتراكي و نهج اقتصاد السوق الاجتماعي و التي قد تتجاوز نصف الناتج المحلي من القطاع الخاص  .

 

و الآن و مع صدور مسودة الدستور الجاهز للاستفتاء و الذي لا يذكر صراحة النهج الاقتصادي الذي ستتبعه الدولة سوى بعبارة أن الاقتصاد الوطني يدعم النشاط الاقتصادي العام و الخاص باستثناء التحديد الأقصى لملكية الأراضي الزراعية و الملكية الزراعية بما ينسجم مع قانون الإصلاح الزراعي الذي دعا إليه النهج الاشتراكي كما لم يحدد الدستور أسلوب التشاركية بين القطاعين العام والخاص في تنمية النشاط الاقتصادي فهي تكون إما بتوزيع القطاعات الاقتصادية بين هذين القطاعين أو عن طريق التعاون في قطاع اقتصادي واحد مع ميلي إلى الخيار الثاني في تمويل قطاعات البنية التحتية و ضمن الشكل القانوني المساهمي العام فالقطاع العام الحكومي ملائم للصناعات الحيوية والثقيلة والتي تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة في حين لا تحتاج الصناعات الاستهلاكية أو التحويلية لتواجد و إقحام القطاع العام فيها فتوجد الحاجات و النقص و الثغرات في العديد من القطاعات الإنشائية و الاستراتيجية التي تستطيع الدولة أن تدخل بها و توجه استثماراتها بها حالياً بسبب العجز الواضح في هذه  القطاعات بالمقارنة مع العدد الكلي للسكان .

ولكن و بظل هذه المؤسسات الحكومية و الوزارات المعنية فلا أتصور أنها قادرة حتى على تطبيق المبادىء الاقتصادية من الدستور المطروح للاستفتاء فنحن  نحتاج أن ننتقل في الجهاز الحكومي التنفيذي من الكفاية  إلى الفعالية أي الانتقال في مستوى إدارة الوزارات  من إدارة موارد الوزارة  إلى الذهاب خطوة نحو الفعالية  إلى تغيير استراتيجية الوزارات المعنية بالاقتصاد الوطني  و لعل أبرز معوقات الفعالية هو ضبابية المشهد الاقتصادي أو الخوف على مكتسبات حالية تتناقص رويداً رويداً إلى حد الإفلاس .

إصلاح القطاع العام الصناعي و تنظيم اقتصاد الظل يحتاج إلى جرأة و نقلة  في المفاهيم الاقتصادية  الحالية وإلى نظرة إبداعية جانبية   في هذه المفاهيم لأنها هي من توجه القطاع الصناعي وترسم استراتيجيته ولعل المبادىء الاقتصادية في الدستور المطروح للاستفتاء كان أقرب إلى الضبابية و العمومية في رسم هذه الاستراتيجية ففي كل منظومة اقتصادية يكون هناك الفكر التنظيري الاستراتيجي الذي يؤطر هذه المنظومة الاقتصادية ويحدد مسارها العام ، وعلى هذا الفكر قامت وازدهرت منظومات أو فشلت منظومات أخرى ضمن العلاقات التفاعلية التنافسية بين الاتجاهات ، فيندحر الأضعف و يستمر الأقوى والأصح على أرض الواقع ولذلك فمن الهام دراسة هذه المفاهيم بالصورة الغير نمطية في ظل أزمات اقتصادية عالمية ومحلية  تغير في موازين القوى و تجعل دائماً الاقتصاد الأقوى هو الأوضح في تحديد استراتيجيته و الأسرع في تطبيقها بالشكل الصحيح .

وبطبيعة الحال فإن سوق دمشق للأوراق المالية سيكون دائماً نتيجة و ليس سبباً في استراتيجية النهج الاقتصادي الموضوعة و كلما كانت الاستراتيجية واضحة كلما كان السوق المالي أكثر شفافية و كلما كانت أقوى كلما كان السوق المالي أكثر عمقاً و سيولة و كلما كان تطبيق الاستراتيجية أسرع كلما كان توسع السوق أكبر فالبورصة مرآة الاقتصاد الوطني بعيوبه و إيجابياته .

 

No comments:

Post a Comment