Friday 15 July 2011

{Kantakji Group}. Add '9963' دقيقة نقاش الأسبوعية - السوق الهجين

جريـــدة القــنديــل الاقتصــادية الأســـبوعية :

إعداد د.محمد وائل سعيد حبش

دكتوراه في الأسواق المالية

دقيقــة نقاش :

السوق الهجين :

في كل منظومة اقتصادية يكون هناك الفكر التنظيري الاستراتيجي الذي يؤطر هذه المنظومة الاقتصادية ويحدد مسارها العام ، وعلى هذا الفكر قامت وازدهرت منظومات أو فشلت منظومات أخرى ضمن العلاقات التفاعلية التنافسية بين الاتجاهات ، فيندحر الأضعف و يستمر الأقوى والأصح على أرض الواقع .

 

فقد قام الفكر الاستراتيجي لسوق دمشق للأوراق المالية  على اعتباره سوقاً للتنمية و جعل المضاربة عدواً له، هذا الفكر المالي الفلسفي انطلق من تجارب أسواق الدول الرأسمالية الكبرى والصغرى منها والتي تعرضت لفقاعات  و انهيارات سعرية عدة مرات وأحياناً في السوق نفسه ونستشهد بذلك بتاريخ أشهرها وهو سوق وول ستريت الذي تحطم بعد أزمة الكساد العالمية عام 1929 ومن ثم عاود السوق الارتفاع و المضاربات إلى عام 1936 بعد الهجمة اليابانية لسواحل كاليفورنيا وليدخل السوق في حالة كساد أخرى ليعود إلى الانتعاش عام 1942 بعد بدء انحسار دول المحور والانتصار بمعركة ميدواي على اليابانيين، ومن ثم ليشهد السوق انتكاسة في بداية الستينيات مع أزمة الصورايخ النووية مع الاتحاد السوفيتي ثم لينتعش السوق الأمريكي في منتصف الستينيات مع اقتصاد نام وبرامج اجتماعية للمنازل وإدخال وسائل الرفاهية إليها لتشهد المؤشر خسائر فادحة عام 1973 مع أزمة النفط والشرق الأوسط ، و من ثم ليعود مزدهراً فانتكاسة أخرى في أواخر الثمانينات إلى انتعاش كبير في التسعينات لتنفجر فقاعة سعرية أخرى كبيرة في أواخره وبداية القرن الحالي مع اضمحلال أسهم التكنولوجيا و الانترنيت .

 

لعل هذه التجارب لهذا السوق و غيره قد ولد قناعات راسخة لدى واضعي اتجاه السوق المالي في سوريا بأن تداول الأوراق المالية يجب أن يكون لغايات تنموية استثمارية وباعتبار أن مؤسسي الفكر الاقتصادي للسوق المالي السوري هم من جيل الاقتصاد الاشتراكي الموجه فقد كانت ثمرة الممازجة بين الفكر الموجه والشكل الحر هي سوق دمشق للأوراق المالية ، ولكن مع اعتبار المضاربة المالية ابناً غير شرعي للسوق المالي ومع قوانين وقيود تجارية و تسلط المرجعيات الاقتصادية الكبرى على أداء ومسار وروح السوق المالي وسيادة المدرسة المحاسبية على قرارات الإدارة دون وجود خلفيات مالية إدارية مؤثرة جعل السوق ضمن معادلة ترحيل الحسابات ، متجاهلاً المتغيرات السوقية و السياسية و النفسية للسوق فانصب جل اهتمامه على ترحيل الشركات من عائلية إلى مساهمة وترحيل الغير مدرجة إلى مدرجة وسط خسائر كان يمكن فرملتها باستخدام أدوات السوق المالي المستخدمة في أكثر الأسواق الحرة فحدثت المبادلة بالأدوار  و أصبحت هيئة السوق ليبرالية في وقت التدخل و متدخلة في الوقت الضائع فلم تنفع الممازجة بين الفكر الموجه والشكل الحر في ظل إساءة استيعاب الوظيفة الجوهرية لهذين العنصرين في التركيبة المستحدثة لسوق دمشق للأوراق المالية .

 

كما ووقعت هذه التركيبة الجديدة في فخ غيرها من المنظومات الاقتصادية الوطنية التي اعتمدت على محاربة السوق السوداء الابن غير الشرعي للاقتصاد الوطني باعتبار المضاربة ابناً غير شرعياً للسوق ، فبدلاً من أن تتبناه أصرت على لفظه ورفضه واضطهاده و تجاهله كما لو كان غير موجوداً متجاهلة أن من يخلق السيولة وحجم التداول ويعطي عمقاً للسوق إنما هي المضاربة تلك ، فلم تستطع تلك التركيبة ألا تصطبغ بالفكر الموجه أكثر من اصطباغها بالشكل الحر الأمر الذي تمت ترجمته من خلال قانون التداول للأجانب  والذي يقيد دخول رؤوس الأموال وخروجها من السوق ، ويفرض الضرائب المباشرة على أرباحها عند إخراجها خلال فترة لا تصل لعام واحد. وكانت النتيجة بعدم دخول رؤوس أموال أجنبية بالأصل في ظل هذه التوليفة التي تضمن سلامة السوق غير عابئة بسلامة أموال الأجانب فكانت الصبغة الاحترازية التقييدية للسوق أبرز ملامحه ، ولكن هذا الفكر الموجه المتبرج بثياب المرأة الحرة قد تعرض لهزة شديدة لقواعده عندما بدأ مؤشر السوق بالتراجع و الانخفاض منذ بداية شهر آذار الماضي ، فرغم كل التقييدات المفروضة و التصريحات المطلقة فلم يستطع هذا السوق الهجين أن يحافظ على قواعده أو أن يبرهن سماته الجديدة التي ادعى أنه يمتلكها عند افتتاحه من أنه حامي صغار المستثمرين وسوقاً للاستثمار لا للمضاربين ، فبدأ في الانهيار خلال عدة شهور ما قد استغرق صعوده في سنتين وليماثل في سلوكه أكثر الأسواق المالية حرية وأشهرها مضاربة معطلاً جيناته التلاقحية والتي عملت في إعاقة صعوده دون أن تنجح في إعاقة هبوطه الأمر الذي أسقط فكرة السوق الهجين تلك الفكرة التي كان من السهل تجربتها في بلد حاضن للتوجيه والتقييد وفي مكان يصعب فيه المحاسبة والتقييم وفي دكان افتتحت من جديد فطغت أهازيج الفرح بافتتاحه على طريقة إدارته .

 

ولعل ما استوقفني من متناقضات هذا الفكر هو عجزه الوظيفي على جذب شركات من المنظومة العائلية إلى المنظومة المساهمية و الذي  اعتماداً على هذا الهدف قد برر وجوده على الواقع بتحفيز الاستثمار و تعبئة المدخرات فكل الشركات المدرجة في السوق أو التي سيتم إدراجها قامت منذ تأسيسها على الشكل المساهمي إما تحت سلطة القانون أو نتيجة وعي وقناعة مؤسسيها لهذا الشكل بناء على طبيعة الاستثمار التي أؤسست الشركة لأجله فلم تنجح الهيئة بتغيير قناعات مؤسسي الشركات العائلية إلى المساهمة أو حتى بنقل الشركات المساهمة التي تقارب الستين من خارج سوق التداول إلى السوق نفسه لمشاكل محاسبية و قانونية و إدارية ،موقعة نفسها في مآزق وظيفي وفكري ،  الأمر الذي جعلها تتراجع إلى قواعدها الأولى وهي الإشراف والمتابعة والرقابة و لتتخلى بصوت خافت عن تلك المحاولات بعد اعترافها بصعوبة المهمة في بيئة ثقافية تجارية خاصة منغلقة على ذاتها وضمن علاقة حذرة ورسمية مع الجهات الحكومية كانت ثمرة عدة عقود ماضية متوترة بين الطرفين لم يعد فيه الأمل معلقاً على جيل المؤسسين بل على الجيل الثاني من هذه الشركات وعلى الجيل الثاني من هذه الحكومات .

 

 

No comments:

Post a Comment