Monday 26 November 2012

{Kantakji Group}. Add '11472'

 

غزو فكري أم لحظة في نقد العقل الديني

 

إنما تبدأ الأمم بالهزيمة من داخلها عندما تشرع في تقليد عدوها

 ابن خلدون

_________________________

 

كتب معن البرازي

 

هنالك اتجاه  يسعى الى تعريف الفكر الاسلامي بمحاولة التأقلم[1] السلبي أو الايجابي مع غزو ثقافي-حضاري- غربي فرض على الأمة الاسلامية[2].. ولعل من حقيقة المفاهيم الجديدة التي يتيحها لنا الفكر المعاصر هو البحث عن أسس ابستمولوجية تعنى بتحديد دنيا الفكر الاسلامي المعاصر.

وعليه سأحاول تبيان ما يسمى  غزو فكري ما هو الا  لحظة في نقد العقل الديني كما عبر عنها المفكرون العرب و المسلمون في هذا التيار

ان هذه الورقة تريد أن تنزع مفهوم "التبعية" عن الفكر الاسلامي القديم و المعاصر وانني أجد انه من الظلم أن يفهم هذا الفكر كنتاج لصراع حضارات حكم التجربة الفريدة للرؤية الكونية للمسلمين التي تحاول المزج بين علوم السماء وعلوم الأرض

ولعل الفكرة الأساسية وهي المحور الرئيسي لهذه المطالعة فهي تؤكد ان ابيستمولوجيا المعرفة لدى المسلمين قد حكمت حدودهم الفكرية بدءا" من المتكلمين ووصولا" الى التيارات الفكر الاسلامي المعاصر

فان كان الفكر الاسلامي هو محض تمازج أو تقارب أو رفض للفكر الغربي وتعامل مع غزوه الفكري فكيف يمكن لنا أن نفسر لحظة "نقد نقد العقل العربي" و لحظة " محمد أركون " والتيارات المتعددة التي أفصحت عموما"عن ما هو مفكر فيه وما هو محظور، وما يغفل التفكير فيه في الفكر الاسلامي ، أنها لحظة لحظة تكشف لنا عن عقل منهجي راجح واسع المعرفة وعميق الاطلاع، وعن توجه جديد داخل حقل الفكر الاسلامي يتجاوز المألوف ويبدأ من لحظة العقل المعاصر ان الفكر الاسلامي  اليوم ليس هو الا لحظة في نقد العقل الديني

كيف يمكن لنا أن نفسر لحظة جدل الإصلاح والتغيير ضمن الخبرة الإسلامية و مساهمة أبي الأعلى المودودي في الفكر السياسي الإسلامي ، ومن هنا فإن المنهج التاريخي محدد مهم في مدى إدراكنا للمشكلات التاريخية والحضارية .

كيف يمكن لنا أن نفسر لحظة ,وعي المسلمين للحاجة لبناء الفكر الاقتصادي الاسلامي و لقد حمل المسلمون (رسالة ذات طابع، يبلغونها للعالم اجمع، فأقترن قيام أول دولة اسلامية برسالة إنسانية عبّرت عن خصائص الإسلام كمفهوم متجدد في اتجاه التقدم من اجل الإنسانية والاسلام لا يقتصر على العبادة، الصوم والصلاة والحج والزكاة والجهاد وتحسين الخلق والتهذيب، وانما يدعوا ايضاً إلى حماية المجتمع والدفاع عن استقلاله، وصيانة كرامة الإنسان). ومنع الاستعمار من نهب الثروات الطبيعية للدول الاخرى كما يحارب التخلف والتبعية والشعور بالنقص تجاه الدول المتقدمة. انه نظام شامل وكامل يعالج جميع شؤون الإنسان ويتدخل في سائر المجالات الحياتية، ويحاول الإسلام ان يضع الحلول المناسبة للمشكلات والصعوبات التي تعترض مسيرة المجتمع نحو الخير والعدل والمساواة.

وزيادة على التمايز في مفهوم الله و الطبيعة اتخذ المفكرون العرب موقفا" هجوميا" من هذا الغزو الفكري وها هو أركون ينتقد الرؤية السائدة في الغرب التي تختزل العالم الإسلامي إلى "معسكر للتطرف والتزمت، متجاهلة القوى الأخرى داخل هذا المجتمع والتي تناضل منذ عقود من أجل مجتمع مفتوح وحوار نقدي بين الأنا والآخر" حتما إن المثقف جزء من اللعبة الحضارية في المجتمعات الغربية، وركيزة قامت عليها هذه الحضارة ومازالت. ولا أحد ينكر الدور الذي اضطلع به فلاسفة الأنوار في كل من فرنسا وانجلترا وهولندا وألمانيا في تفكيك الحقائق السكولائية والتبشير بعهد الإنسان والحداثة والعقل، بل وفي الإعداد للثورة الفرنسية التي أطلقت التاريخ من عقاله وغيرت الأفق الرمزي والفكري والسياسي والحضاري للبشرية.
من بين أكثر هذه المشاريع إثارة للجدل المشروع الذي ابتدأه المفكر المغربي محمد عابد الجابري[3] يتحرك من مشروع نقد العقل العربي و مقولة مركزية خلال كامل مشروعه الفكري هي أن (هنالك ميدان واحد لم يتجه نحوه البحث و لم تتم مساءلته إنتهاءً لتشخيص داء الثقافة / الفكر العربي، هو تلك القوة أو الملكة أو الأداة التي بها يقرأ العربي ويرى ويحلم ويفكر ويحاكم. إنه العقل العربي ذاته) ليتمد التحليل و تستطيل المساءلة بصورة موسوعية خلال مشروعه الفكري. محمد عابد الجابري، في بداية الثمانينات، ليختمه في أواخر التسعينات من القرن الماضي.

وقد عبر عن مفهوم نقد العقل الاسلامي تيار الجابري - طرابيشي - أركون[4].

وعلى سبيل المثال يؤكد تيار الجابري - طرابيشي – أركون تباينا" حقيقيا" في مفاهيم الفلسفة الميتافيزيقية وفلسفة الأخلاق وها هم يؤكدون أنه إذا كان مفهوم العقل في الثقافة اليونانية والثقافة الأوروبية الحديثة والمعاصرة يرتبط بـ (إدراك الأسباب) أي بالمعرفة، فإن معنى (العقل) في اللغة العربية، وبالتالي في الفكر العربي يرتبط أساساً بالسلوك والأخلاق

وينبع اهتمام محمد أركون بالتمايز عن الفكر الغيبي فهو في الأساس ناقد للعقل الإسلامي بالفلاسفة العرب وخصوصا بمسكويه صاحب "تهذيب الأخلاق" وبيئته الثقافية والتاريخية هو ما دفعه إلى تغيير تلك الصورة النمطية عن الإسلام والتي تحاول اختزاله كما بينت ذلك الباحثة الألمانية أورسولا غونثر في الإسلاموية والعروبية[5].

لقد تميز مسكويه وآخرون غيره كالتوحيدي والجاحظ وابن رشد بانفتاح كبير على الحضارات والثقافات الأخرى ويكفي الاستشهاد هنا بتلك المقولة المركزية لابن رشد في "فصل المقال:
"
وإذا كان هذا هكذا، فقد يجب علينا، إن ألفينا لمن تقدمنا من الأمم السالفة نظرا في الموجودات واعتبارا لها بحس ما اقتضته شرائط البرهان، أن ننظر في الذي قالوه من ذلك وما أثبتوه في كتبهم: فما كان منها موافقا للحق قبلناه منهم وسررنا به وشكرناهم عليه، وما كان منها غير موافق للحق نبهنا عليه وحذرنا منه وعذرناهم. فقد تبين من هذا أن النظر في كتب القدماء واجب بالشرع..."
"
لا يكتفي ابن رشد بالدعوة إلى الاستفادة من الثقافات الأخرى بل يربط تلك الدعوة بالشرع، و يحولها إلى أمر شرعي أو أمر ديني" لا يكتفي ابن رشد في هذا المقام بالدعوة إلى الاستفاذة من الثقافات الأخرى بل يربط تلك الدعوة بالشرع، و يحولها إلى أمر شرعي أو أمر ديني. أو بلغة أخرى يقلب المعادلة ويجعل النقل مبررا للعقل ومبررا لاستعماله وانفتاحه واعتبار كل ذلك طريقا لـ "معرفة الله". لهذا لا يمكننا إلا أن نتفق مع أركون ودفاعه عن وجود انسانوية عربية في التاريخ الإسلامي رغم أنه لا يمكن مقارنتها بالحركة الإنسية في أوروبا لأنها حركة تحررت نهائيا من سلطة الدين في حين لم ير الإنسانويون العرب تضادا بين الحقيقتين الدينية والعقلية.

من هنا يعتبر طرابيشي[6] أن تعريف العقل المكوِّن بانه (الملكة التي يستطيع بها كل انسان ان يستخرج من ادراك العلاقات بين الاشياء مبادئ كلية وضرورية، وهي واحدة عند جميع الناس)، لا وجود له لدى لالاند، لا في كتاباته اجمالاً ولا في كتابه (العقل والمعايير) حصراً. و إنما صاحب هذا التعريف هو بول فوكييه، مؤلف (معجم اللغة الفلسفية). (ويبيِّن طرابيشي لاحقاً أن معظم شواهد الجابري مأخوذة عن هذا المعجم وليس عن مصادرها الأصلية، متّهماً اياه بعدم إطلاعه على المصادر الأصلية التي يدّعي مراجعتها والتي يحيل القارئ إليها).

ان كان الفكرالاسلامي المعاصر ليس سوى نتاج لغزو حضاري فكري فكيف يمكن فهم الاختلاف الذي عبر عنه في تحديد هوية العقل بين اليونان و العرب. فان كان الجابري يحدد العقل العربي بعقلين آخرين هما (العقل الأوروبي) و (العقل اليوناني) متجأوزاً – و هو أمر كان محل اعتراض من طرابيشي - إنجازات الحضارات و (العقول) بحسب مصطلح الجابري التي سبقتهم و تَلَتْهم (مصر و الصين و بابل و الهند) لانها لم تمارس التفكير في العقل بالعقل فهو يعرض لمفهوم العقل كمثالين من حضارات الشرق القديم: مثال الحضارة البابلية من الشرق الأوسط، ومثال الحضارة الهندية من الشرق الاقصى

وعلى سبيل المثال يرى الجابري أن اليونانيين و الأوروبيين و العرب مارسوا التفكير النظري العقلاني ما سمح بقيام معرفة فلسفية أو علمية أو تشريعية متحررة عن الأسطورة و الخرافة كون العقل كان يمارس داخلها درجة من السيادة لا تقل عن تلك التي كانت للسحر و غيره من ضروب التفكير اللاعقلي، هذا التحديد يأتي من خلال إختلاف خصائص الموضوع الذي إنشغلت به الذهنية الإسلامية عن ذلك الذي تعاملت معه الفعالية الذهنية اليونانية و الأوروبية فالعقل اليوناني/ الأوروبي ينتظمه خلال مسيرة تطوره الطويلة ثابتين يحددان بنية الثقافة اليونانية / الأوروبية هما وجهة نظر في الوجود تعتبر العلاقة بين الطبيعة و العقل علاقة مباشرة و أخرى معرفية تؤمن بقدرته – العقل – على تفسيرها و كشف اسرارها تشكلان معاً ثابتاً بنيوياً يمحور العلاقات في بنية العقل حول (العقل و الطبيعة) و لا يشكل الإله فيها علي المستوى الأنطولوجي طرفاً ثالثاً مستقلاً عن الإنسان و الطبيعة مرتبطاً بنظام الطبيعة يتدخل لإضفاء النظام علي شئ موجود أو أنه على قمة الهرم الذي تشكله المثل العقلية و تستقل الطبيعة و لا تتوقف في وجودها عليه، أو وضعه كفرضية لتفسير مبدأ الحركة كمطلب منطقي أو كطرف في مقابل الطبيعة أو كقوة مندمجة في الطبيعة.

ومجددا" ؤكد المسلمون اختلافهم الثقافي الفكري عن اليونان وها هم يؤكدون أن العلاقة  التي يتبناها العقل العربي تتمحور حول ثلاثة اقطاب هي الله و الإنسان و الطبيعة التي تغيب عند تكثيف العلاقة كما يغيب الإله عن الثقافة اليونانية لاعبة دور المعين للعقل على اكتشاف الله، ما يعطي العقل بالمفهوم العربي دلالة أخلاقية تحكمها النظرة المعيارية في مقابل الدلالة المعرفية الموضوعية (التحليلية التركيبية) التي يتسم بها العقل اليوناني – الأوروبي، ما يميز (العقل العربي) بوصفه عقل الثقافة العربية الإسلامية، هو أن العلاقات داخله تتمحور حول ثلاثة أقطاب: الله، الانسان، الطبيعة. وإذا أردنا تكثيف هذه العلاقة حول قطبين إثنين فقط، وجب أن نضع في أحدهما الله، وفي الآخر الانسان.

أما الطبيعة فلا بد، في هذه الحالة، من تسجيل غيابها النسبي. ليس هذا وحسب، بل يمكن القول إن الدور الذي تقوم به فكرة الله في الفكر اليوناني ـ الأوروبي، تقوم به الطبيعة في الفكر العربي، دور الوسيط أو القنطرة: في الفكر اليوناني / الأوروبي توظف فكرة الله من أجل تبرير مطابقة قوانين العقل لقوانين الطبيعة، وبالتالي من أجل إضفاء المصداقية على المعرفة العقلية، أي جعلها يقينية. وبعبارة أخرى أن فكرة الله تقوم هنا بدور (المعين) للعقل البشري على إكتشاف نظام الطبيعة و اكتناه أسرارها. أما في (العقل العربي) كما تشكل داخل الثقافة العربية الإسلامية، فالطبيعة هي التي تقوم بدور (المعين) للعقل البشري على إكتشاف الله وتبين حقيقته. هنا في الثقافة العربية الإسلامية يطلب من العقل أن يتأمل الطبيعة ليتوصل إلى خالقها: الله. وهناك في الثقافة اليونانية - الأوروبية يتخذ العقل من الله وسيلة لفهم الطبيعة أو على الأقل ضامناً لصحة فهمه لها.

إذا كان مفهوم العقل في الثقافة اليونانية والثقافة الأوروبية الحديثة والمعاصرة يرتبط بـ (إدراك الأسباب) أي بالمعرفة، فإن معنى (العقل) في اللغة العربية، وبالتالي في الفكر العربي يرتبط أساساً بالسلوك والأخلاق . نجد هذا واضحاً في مختلف الدلالات التي يعطيها القاموس العربي لمادة (ع. ق. ل)، حيث يكاد يكون الارتباط بين تلك الدلالات وبين السلوك الأخلاقي عاما ًوضرورياً. نعم، لقد امتد مفهوم (العقل) في الثقافة اليونانية ـ الأوروبية إلى ميدان الأخلاق، وبكيفية خاصة منذ الرواقيين الذين رأوا الحكمة كل الحكمة، في العيش وفق الطبيعة، أي وفق (اللوغوس) أو (العقل الكلي)، ومن هنا دشن الرواقيون، بل فصلوا، القول في (أخلاق العقل)، الأخلاق التي ترتكز على فكرة الواجب. وبإمكاننا أن نؤكد منذ الآن أن مفهوم (العقل) في الفكر العربي سيمتد هو الآخر إلى ميدان المعرفة. ولكن فرق كبير بين الاتجاه من المعرفة إلى الأخلاق والاتجاه من الأخلاق إلى المعرفة. في الحالة الأولى، وهي حالة الفكر اليوناني / الأوروبي، تتأسس الأخلاق على المعرفة، أما في الحالة الثانية حالة الفكر العربي، فتتأسس المعرفة على الأخلاق[7].

ويتمايز المفكرون العرب في تأكيد إن المعرفة هنا، في حالة الفكر العربي، ليست اكتشافاً للعلاقات التي تربط ظواهر الطبيعة بعضها ببعض، ليست عملية يكتشف العقل نفسه من خلالها في الطبيعة، بل هي التمييز في موضوعات المعرفة (حسية كانت أو اجتماعية) بين الحسن والقبيح، بين الخير والشر. ومهمة العقل ووظيفته، بل وعلامة وجوده، هي حمل صاحبه على السلوك الحسن ومنعه من إتيان القبيح. نجد هذا الجانب الأخلاقي، القيمي، ليس فقط في الكلمات التي جذرها (ع. ق. ل) بل أيضاً في جميع الكلمات التي ترتبط معها بنوع من القرابة في المعنى، يمكن أن نلمس من خلال الدلالات المختلفة لكلمة (عقل) والكلمات الأخرى التي في معناها ما يمكن ربطه بالنظام والتنظيم، ولكن حتى في هذه الحالة يظل الجانب القيمي حاضراً دوماً. فالنظام والتنظيم في المجال التدأولي للكلمات العربية المذكورة متجه دوماً إلى السلوك البشري لا إلى الطبيعة وظواهرها[8]. ومن هنا يمكن القول أن (العقل) في التصور الذي تنقله اللغة العربية المعجمية يرتبط دوماً بالذات وحالاتها الوجدانية وأحكامها القيمية. فهو في نفس الوقت عقل وقلب، وفكر ووجدان، وتأمل وعبرة أما في التصور الذي تنقله اللغات الأوروبية فالعقل مرتبط دوماً بالموضوع، فهو إما نظام الوجود، وإما إدراك هذا النظام، أو القوة المدركة. المعطيات السابقة تجعلنا، من الناحية المبدئية على الأقل، في وضع يسمح لنا بالقول أن (العقل العربي) تحكمه النظرة المعيارية إلى الأشياء. ويقصد الجابري بالنظرة المعيارية ذلك الاتجاه في التفكير الذي يبحث للأشياء عن مكانها وموقعها في منظومة القيم التي يتخذها ذلك التفكير مرجعا له ومرتكزاً. وهذا في مقابل النظرة الموضوعية التي تبحث في الأشياء عن مكوناتها الذاتية وتحاول الكشف عما هو جوهري فيها. إن النظرة المعيارية نظرة اختزالية، تختصر الشيء في قيمته، وبالتالي في المعنى الذي يضفيه عليه الشخص (والمجتمع والثقافة) صاحب تلك النظرة. أما النظرة الموضوعية فهي نظرة تحليلية تركيبية: تحلل الشيء إلى عناصره الأساسية لتعيد بناءه بشكل يبرز ما هو جوهري فيه.

لقد بذل العلماء المسلمون بعد ذلك جهوداً علمية ضخمة فأسسوا منهاج البحث العلمي فضبطوا أصوله وقواعده العلمية، ووضعوا المعاجم ودوائر المعارف والموسوعات والمراجع المفهرسة المنظمة، واقاموا الدراسات العقلية والإنسانية على أصول علمية منظمة، كما وضعوا مناهج البحث ونظرياته وأصوله في مجال الدراسات المادية والطبيعية والحياتية المختلفة.

إن ما لدينا من صرح علمي شامخ، ومن ثروة فكرية منظمة دقيقة، لتشهد بجهود العلماء الإسلاميين وبقدرة الفكر الإسلامي على العطاء والنمو والإنتاج والأصالة وسلامته من العقم والتوقف والجمود والتبعية والالتقاط.
وصحيح أن المسلمين استفادوا من تجارب الأمم في مجال الفكر والثقافة، كالفلسفة والكلام والمنطق وعلم الاجتماع والنفس والأخلاق والتاريخ وغيره، إلاّ أنّهم لم يستلموا هذا الإنتاج الإنساني كمسلّمات علمية، بل نقدوه وناقشوه وصححوه وأضافوا إليه وتوسعوا فيه بشكل يتناسب وما لديهم من فكر ومعتقد وفهم إسلامي ورأي أصيل، فحافظوا بذلك على أصالة الإسلام، ونموه وإثرائه في آن واحد، بالإضافة إلى ما ابتكروا وأسسوا واكتشفوا في هذا المجال. فكانوا الرواّد في وضع الأسس العلمية للعلوم والمعارف الإنسانية، وتأسيس مناهج البحث والتفكير العلمي وفق منهج عقائدي ونظرة إسلامية. وهذا الضبط والتنظيم في بنية الفكر ومنهاج البحث والتفكير وتنسيق البناء لهو من متطلبات وضرورات التفكير الإسلامي.
ويمكننا أن نسجل الخدمات العظيمة التي قام بها العلماء والمفكرون الإسلاميون، والمهام التي نهضوا بها كالآتي:
1
ـ الاستنباط والابتكار وتأسيس العلوم والمعارف.
2
ـ الدفاع عن الفكر الإسلامي وردّ الشبهات لتحقيق الأصالة والنقاء والاستقامة للفكر الإسلامي.
3
ـ النقد والمحاكمة للأفكار غير الإسلامية وكشف أخطائها وعجزها.
4
ـ الاستفادة من الفكر الإنساني الذي يتفق وأسس وأصول الفكر والتفكير الإسلامي ولا يخالفه، بعد غربلته وتنقيحه وهضمه وامتصاصه من قبل الفكر الإسلامي للتأكد من إزالة كل غريب عن روح الإسلام واتجاهه في الحياة، بحيث يفقد عناصر الغربة في شخصيته ويدخل متجانساً مع الفكر الإسلامي وضمن بنية فكرية واحدة.

أريد أن أختم باعطاء بعض العناوين العريضة لتمايز الفكر الاسلامي عن الفكر الغربي (وهذا لا يعني أن هذه المواضيع هي ملخص لأهم ما ابتدعه الاسلاميون بل مدخل الى النقاش الجاد حول تكوين معالم الفكر الحضاري و العلمي الاسلامي ) :

·        مذهب الذري عند المتكلمين المسلمين

·        العقلانية العلمية عند الماوردي في كتابه "أدب الدنيا والدين" ما نعنيه بالعقلانية العلمية هي تلك العقلانية التي أنتج من خلالها العلماء علومهم المختلفة . وهي

أولا : مبدأ مصادر المعرفة الأربعة.
ثانيا : مبدأ حصر النشاط الميتافيزيقي على العقل.
ثالثا : مبدأ ضرورة الموضوعية في المعرفة (التفسير السببي ).
رابعا : مبدأ الفصل بين عالم السماء وعالم الإنسان .
خامسا : مبدأ الفصل بين الأنساق الثلاثة .
سادسا: مبدأ الالتزام بالروح العلمية     

·        الرؤية الإسلامية لفلسفة علوم الطبيعة  

·        مبدأ التسخير ودوره في تشكيل الفكر العلمي المعاصر    (حتى عهد قريب كان علماء الفيزياء يقررون أن وجود الكون مستقل عن وجود الإنسان استقلالا تاماً، فالكواكب والنجوم والمجرات، حسب تصوراتهم، توجد بذاتها وجودا موضوعياً مستقلاً عن وجود الإنسان على كوكب الأرض. وقد كان في اعتقادهم أن ظهور الإنسان على الأرض ممكن الحصول في أي وقت تتوفر فيه الشروط (...)تطور مفهوم العلم في الفكر الإسلامي بدأ من ما ورد في الكتاب والسنة وأقوال كبار الصحابة وكذلك أراء فلاسفة الإسلام المبكرين والمتكلمين بحسب التدرج التاريخي والتعرض للتحولات التي لحقت بالمفهوم في فكر عصر النهضة إلى وقتنا الحاضر مع الإشارة إلى أثر)

·        مفهوم الزمن بين صدر الدين الشيرازي وآينشتاين   (لقد تطور مفهوم الزمن حتى أصبح من أكثر المفاهيم المعرفية تعقيداً. ومن البدهي الإشارة إلى أن هذا المفهوم قد تم تناوله أول الأمر على يد الفلاسفة الذين لم يصلوا إلى نظرية متكاملة تكوّن أرضية صلبة لأغلب إشكالات الفلسفة ومزالقها إلا على يد الفيلسوف صدر الدين الشيرازي الذي أبدع نظريته ((أصالة الوجود)) (...)

·        نقد ابن رشد لـ"فيزياء" المتكلمين (تعتبَر نظرية الجزء الذي لا يتجزأ من أهم الأسس التي قامت عليها تصورات المتكلمين لكل الظواهر الطبيعية، حيث استندوا عليها، إلى جانب نظريات ومفاهيم أخرى، لتفسير كيفية كون وفساد واستحالة وتغير كل الأشياء الطبيعية الواقعة في هذا العالم. )

·        الطبع والسببية عند الباقلاني ( مسألة الطبع والقول بأن صانع العالم إنما هو طبيعة من الطبائع وجب حدوث العالم عن وجودها. وهذه الرؤية تؤلف أصول موقف الأشاعرة من مسألة السببية. وإذ يُنكر الباقلاني القول بوجود الطبائع أو كونها فاعلة بذاتها فإنه إنما يلجأ إلى تفنيد الرأي المخالف)

·        توسع الكون بين الغزالي وابن رشد  (موازنة بين موقف أبي حامد الغزالي وموقف أبي الوليد محمد ابن رشد في مسألة حجم العالم (الكون) وإمكانية أن يكون أكبر أو أصغر مما هو عليه . فقد ذهب الأول إلى القول بمثل هذه الإمكانية؛ في حين نفاها الثاني معتمدا على أن القول بعالم أكبر أو أصغر سيعني إمكان وجود عِظم لا نهاية)

 

و الله اعلم

 



[1] يقول ادريس هاني  : في ضوء مشروع التبني الحضاري والتجديد الجذري إن المراقب لما جرى ويجري داخل المشهد العربي والإسلامي طيلة قرن من الانشغال بأسئلة النهضة والتحديث، سيكتشف لا محالة أن الفكر العربي والإسلامي الحديث والمعاصر، لم يكن بحق إفرازاً إيجابياً لعقلٍ تُساس به شؤونُ اجتماعِه، وتُدبَّر به كبرى الأزمات الناجمة عن علاقته بالمحيط وبدوران الأزمنة وآثار صيرورتها؛ بل إنه في حقيقة الأمر، لم يكن سوى حصيلة مسلسلٍ تاريخيٍّ من الرضّات والصدمات المتتالية، وهو ما يعني أنه كان دوماً حصيلةً لردود الفعل وليس نتاج فعل. وإذا ما اعتبرنا الفعل والانفعال كليهما من فعل العقل في اختلاف وظائفه وتنوع مراتب نشاطه، قلنا: إن ما كان ثمرةً لردود الفعل هو منتجٌ لنشاطٍ عقليٍّ سلبي. فالإخفاقات والنكسات والإحباطات التي واجهت هذا الكيان العاري من كل شرائط المنعة ضد خطر السقوط والانهيار التام ، جاءت متتاليةً منذ أولى الصدمات؛ صدمة الحداثة التي كشفت عن نفسها منذ أول زحف استعماري على المنطقة العربية، وتحديداً الزحف النابليوني باتجاه مصر

 

[2] كان من تداعيات الصدمة الحضارية بالغرب الغازي المتفوق 1798 بروز تساؤلات فكرية كبيرة: لماذا تفوق الآخرون علينا؟ لماذا تقدموا وتخلفنا؟ ما عوامل الخلل؟ كيف النهوض؟ تعددت الإجابات عبر قرن ونصف بتعدد اتجاهات المفكرين ومشاربهم، بداية بالرواد الأول: الطهطاوي، التونسي، الكواكبي، الأفغاني، محمد عبده، وكانت الصفة الغالبة عليها، الصفة الدفاعية ضد الآخر المتغلب، وفي مطلع القرن الماضي أصبحت التساؤلات أكثر إلحاحاً وشكلت تحدياً كبيراً للفكر العربي وتطلبت استجابة مختلفة، وتبرز في سماء القرن العشرين جهود كواكب لامعة، أبرزها المشروع الإصلاحي للإمام محمد عبده (ت 1905)، الذي تمحور حول إصلاح نمط التفكير الديني، وفي الثلث الأخير من القرن الماضي ظهر مفكرون أصحاب مشاريع فكرية متكاملة (مروة، تيزيني، حنفي، أركون، العروي، طربيشي، الجابري، زكي نجيب محمود، فؤاد زكريا، محمد جابر الأنصاري وغيرهم).
كانت أولى الإجابات تركز على أن علة التخلف ابتعاد الأمة عن دينها، فلا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها "الإسلام هو الحل"، بينما رأت الإجابة الثانية أن التأزم السياسي المتمثل في غياب الديمقراطية، هو الداء المزمن بسبب عجز العرب عن الاتفاق على آلية سياسية تضمن الانتقال السلمي للسلطة، وذهبت إجابة ثالثة إلى أن نظامنا التربوي والتعليمي هو العلة في الإخفاق، ورأت إجابة رابعة أن تخلف العرب يكمن في قصورهم العلمي والتقني لأن التحديات التي واجهتهم خلال القرون الخمسة الأخيرة كانت تقنية، ولم تجد استجابة سليمة منهم، إذ استطاعت البرتغال، وهي دولة صغيرة عام 1498، السيطرة على الخليج بخمس سفن حاملة للمدافع (أنطوان زحلان).

 

[3] محمد عابد الجابري (1936 - 2010). أغنى المكتبة العربية بتأليفه أكثر 30 كتاباً تدور حول قضايا الفكر المعاصر، حصل على جائزة بغداد للثقافة العربية من اليونسكو عام 1988 والجائزة المغربية للثقافة في تونس عام 1999، يعتبر د. الجابري من أهم المفكرين المغربيين الذين تركوا بصمة واضحة في الفكر العربي المعاصر. بدأ بطرح نظرياته في مسألة (نقد العقل العربي)، منذ مطلع الثمانينيات، حين أصدر كتابه (نحن والتراث) (1980)، الذي أعلن فيه بصراحة أن العقل العربي قام بـ(إلغاء الزمان والتطور) عن طريق رؤية الحاضر والمستقبل، من خلال الماضي، فهو فكر لاتاريخي ذو (زمان راكد) لا يتحرك ولا يتموج. وأعقبه بـ(الخطاب العربي المعاصر) (1982)، الذي يعتبر مدخلاً ثانيا لـ(نقد العقل العربي)، إذ يشكك فيه بأن العرب تمكنوا من تحقيق شيء من نهضتهم المأمولة. ويتساءل، في مقدمته، هل هم (يغالبون، بدون أمل، الخطى التي تنزلق بهم إلى الوراء). ثم يشير إلى مختلف الميادين التي بحثها المفكرون لتشخيص الداء، ويردف قائلا (ميدان واحد لم تتجه إليه أصابع الاتهام بعد، وبشكل جدي صارم، هو تلك القوة أو الملكة أو الأداة التي بها يقرأ العربي ويرى ويحلم ويفكر ويحاكم، إنه العقل العربي ذاته). ثم شرع بإصدار مشروعه الكبير في (نقد العقل العربي)، أو بالأحرى تشريح هذا العقل، الذي بدأه بـ(تكوين العقل العربي) (1982)، فـ(بنية العقل العربي) (1986)، فـ(العقل السياسي العربي) (1990)، وصولا إلى (العقل الأخلاقي العربي) (2001) .


[4]  في نقد نقد العقل العربي يقول  د. عبد الرزاق عيد : إن دارسي تاريخ الفكر العربي الحديث، سيخلصون إلى أن القرن العشرين وَسَمَته ثلاث موسوعات فكرية تتناول التراث الفكري العربي الإسلامي، متمثلة: أولا بموسوعة أحمد أمين الشهيرة عن (فجر وضحى وظهر الإسلام) في أواسط النصف الأول من القرن العشرين، وبموسوعتي محمد عابد الجابري وجورج طرابيشي في العقدين الاخيرين من القرن العشرين، ومستهل القرن الواحد والعشرين. إذ أن طرابيشي بدأ مشروعه النقدي لمشروع الجابري قبل الشروع في موسوعته، وذلك منذ سنة 1993 عندما أصدر كتابه "مذبحة التراث في الثقافة العربية".

[5] محمد أركون وتجديد الفكر الإسلامي: رشيد بوطيب

[6] وهكذا يلاحظ طرابيشي أن إعتماد الجابري على مصادر ثانية، ولا سيما على معجم فوكييه وعدم إطلاعه على نظرية (لالاند) في مصدرها الأم، أوقعاه لا في التباسات من حيث الترجمة والتأويل فحسب، بل حالا ايضاً و أساساً بينه وبين إدراك غائية القسمة اللالاندية للعقل إلى عقل مشكِّل للعقل وعقل متشكِّل بالعقل، وتوظيفها توظيفاً مثمراً في مشروعه لنقد العقل العربي. فعلى رغم أن (لالاند) يقدّم في القيمة والمرتبة العقل المكوِّن من حيث هو فاعلية ذهنية محضة وملكة تأسيسية و إشتراعية للنشاط العقلي، فانه يقرّ بالمقابل للعقل المكوَّن بدور كبير في تحقيق (تلاحم الجماعة التي تنتمي اليه)، والتي تضعه، بقدر ما يوحِّدها، (على انه مطلق). وهكذا يفسّر تجاهل الجابري للوظيفة التوحيدية للعقل المكوَّن الذي جعلها يبني تحليله للعقل العربي على أساس قسمة هذا العقل، لا على أساس وحدته، حيث يشطره تشطيرا ثلاثياً وقطعياً إلى عقل بياني وعرفاني وبرهاني. مع الإشارة هنا إلى أن العقل، خلافاً لدعاوى العقل المكوَّن، ليس له (طابع ثابت ومطلق)، و أياً تكن أوهام المنتمين اليه في حقبة تاريخية ما، فان (عقل عصر ما ليس هو قط العقل المحض)، وهو تالياً عقل تاريخي. ويأخذ على الجابري أنه تعاطى مع العقل من موقع (سجالي) لا من موقع (نقدي) وكما يدّعي في مشروعه. فإنطلاقاً من تشطيره الثلاثي للعقل العربي الإسلامي، أقام بين تجليات هذا العقل مقارنة تفاضلية لا تكافؤية، وقد إنتصر أبستمولوجياً للعقل البرهاني البياني بقدر ما إنتصر للعقل البياني على العقل العرفاني، و إنتصر أيديولوجياً للعقل (السني) على العقل (الشيعي)، و أنتصر جغرافياً لعقل المغرب على عقل - أو بالأحرى (لا عقل) - المشرق. هذا الإنتصار الاخير دفع طرابيشي للحديث عن (التوظيف المركزي الاثني لنظرية العقل). يقول الجابري: (أننا عندما نتحدث عن (العقل العربي) فنحن نميّزه في الوقت نفسه عن (العقل اليوناني) و(العقل الأوروبي الحديث) .

[7] د. عبد الرزاق عيد , نقد نقد العقل العربي

 

[8] د. عبد الرزاق عيد , نقد نقد العقل العربي

 


--

Maan Barazy

Certified Shari'a Adviser and Auditor (CSAA- AAOIFI Certified) - MA Islamic Comparative Jurisprudence  - BS International Economics 

Managing Partner And CEO of Data and Investment Consult-Lebanon – The Centre For Islamic Finance - Consultant Researcher and Lecturer


--
--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "Kantakji Group" group.
To post to this group, send email to kantakjigroup@googlegroups.com
To unsubscribe from this group لفك الاشتراك من المجموعة أرسل للعنوان التالي رسالة فارغة, send email to kantakjigroup+unsubscribe@googlegroups.com
For more options, visit this group at
http://groups.google.com/group/kantakjigroup?hl=en
سياسة النشر في المجموعة:
ترك ما عارض أهل السنة والجماعة... الاكتفاء بأمور ذات علاقة بالاقتصاد الإسلامي وعلومه ولو بالشيء البسيط، ويستثنى من هذا مايتعلق بالشأن العام على مستوى الأمة... عدم ذكر ما يتعلق بشخص طبيعي أو اعتباري بعينه باستثناء الأمر العام الذي يهم عامة المسلمين... تمرير بعض الأشياء الخفيفة المسلية ضمن قواعد الأدب وخاصة منها التي تأتي من أعضاء لا يشاركون عادة، والقصد من ذلك تشجيعهم على التفاعل الإيجابي... ترك المديح الشخصي...إن كل المقالات والآراء المنشورة تُعبر عن رأي أصحابها، ولا تعبّر عن رأي إدارة المجموعة بالضرورة.
---
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "Kantakji Group" group.
To post to this group, send email to kantakjigroup@googlegroups.com.
To unsubscribe from this group, send email to kantakjigroup+unsubscribe@googlegroups.com.
Visit this group at http://groups.google.com/group/kantakjigroup?hl=en.
For more options, visit https://groups.google.com/groups/opt_out.
 
 

No comments:

Post a Comment