Saturday 27 October 2012

{Kantakji Group}. Add '11365' ذوبانٌ في أغوار العيد السعيد!

From: Mohamed BABA AMMI <babaammimed@veecos.net>
Date: 2012/10/27
Subject:


 بسم الله الرحمن الرحيم

جال في خاطري

ذوبانٌ في أغوار العيد السعيد!


خرقت شعاعات من نور الشمس حجاب الليل الطويل، فلامستْ بأناملها المتأنقة أسقف المنازل سقفا سقفا؛ ثم نزل الدفء ضيفا حليما مباركا على كلِّ دار وبيت؛ سواء أكان من حجر أم مدر، سيان عنده أكانت أكواخا من القش والصفيح أم قصورا من البلور السحريِّ المطروق.

إنها صبيحة العيد السعيد، الممتدِّ ريحها وروْحها إلى ماوراء الماوراء... إلى عالم الملائكة والملأ الأعلى فوق السموات السبع هنالك، حيث تقام مراسيم التبريك والتهليل والتحميد...

ولَجنا باحة جامع عثماني منفتح على أبواب الملكوت، من حيِّ "عمرانية" الأناضوليِّ القريب من البوسفور؛ ولَجنا على نغمات التكبير، فالتصقنا بوفود المصلين جسدا واحدا، وروحا متحدا، إذ لا تميُّز اليوم ولا تمييز، ولا تفضُّل ولا تفضيل؛ القريبُ من أحبَّه الله ورضي عنه، والبعيد من أبغضه الله وسخط عنه...

على سفوح الخطبة المجلجلة للإمام الوقور الجهوري النبرات كنَّا نسيح، وفوق شواطئ الدلالات كنا نسبح، مثل أطفال صغار تعلوهم البراءة من كلِّ جانب؛ ونحن وإن لم نحظ بفهم الكلمات بلغتها التركية الدفَّاقة، غير أنَّ القلوب منَّا انفتحت على شلالات من الأفكار والمشاعر والإلهامات والواردات؛ هنا، وفي هذه الظروف ذابت الألسن وامتزجت بالقلوب؛ فصار الجسد قلبا، واستحال القلب روحا، والتحق الروح بحقيقة الحقيقة، وبخلاصة المعنى، بلا حدود ولا قيود...

سافرتُ بخاطري في عالم آخر غير مرئيٍّ ولا محسوس، لا يضبطني زمان ولا يحبسني مكان، ولا يملك مسايرتي إنس ولا جانٌّ؛ أين منه سخافات الماديين الإلحاديين الوضعيين الأغرار!

جال في خاطري، أوانها، وابل من الذكريات، وهجمت على قلعة أفكاري أسراب من طيور الماضي والحاضر والمستقبل، فحملتني كلَّ محمل، حتى دخلتُ فيما يشبه سكرة العابد ونشوة المحبِّ...

جال في خاطري ظلُّ أبي وهو يوقظني فجرا لأشهد مع الكبار صلاة العيد في مسجد حيِّنا الهادئ الساكن الجميل؛ ثمَّ هو مع ذلك يغمر جنبات البيت تكبيرا وتهليلا بدموع تهراق من مقلتيه مثل مياه نهر الفرات في أبهى حُللِها وأزهى أعصُرها...

جال في خاطري طيف أمِّي، صبيحة العيد، وهي كالحمام تقفز من مكان لآخر، تعتني بالجميع واحدا واحدا: ماذا يلبسون؟ كيف يلبسون؟ هل يليق هذا مع هذا؟ وهل "الشاشية البيضاء" ناصعة بما فيه الكفاية؟ ولسان كلِّ ابن وبنت بماذا يهفو وفيما يحوم...؟ وهي مع ذلك تفكُّ الخيوط اللامتناهية الرقيقة لطيات "سروالي العربي الأبيض"، حتى يبدو مرتبا بما فيه الكفاية... وكأنها بذلك تقول: إنَّ أمَّة العرب والمسلمين اليومَ أحوج ما تكون إلى من يفكُّ عقدها عقدةً عقدةً، بهذه الروح الوثابة، وبذلكم الأفق الرحيب!!!

وجال في خاطري كبشنا الأقرن الأضحية، بثغائه الممتدِّ إلى أبعد نقطة في محطَّة قطار الأثير؛ كبشنا المتوجه إلى ساح الوغى ليؤدِّي واجبه المكلَّف به، سمعا وطاعة؛ معيِّرا ببطولته وعنفوانه ابنَ آدم في ترهُّله وتلكُّئه عن أوامر ربِّه وخالقه، وقد غمرته نعمه ظاهرة وباطنة...

ثم جال في خاطري ثلة من فلاسفة الغرب من نيتشه إلى فرويد، ومن دروين إلى أنشتين... ممن أمضى العمر باحثا محللا، يقلب المسائل ويبحث عن الحلول لأعقد الإشكالات؛ وهو مع ذلك لم يجب عن أكبر سؤال وأجدر مسألة: من هو خالقي؟ ومن هو منعمي؟ ومن أين أتيت؟ وإلى أين أصير؟ فمات على غير إيمان، ولم يذق برهةً طعم الإحسان!

جال في خاطري أنين مرضًى مُزمنين، وهم الآن على فرش المستشفيات والمصحَّات، يلاقون قدرهم، منهم من صبر وأجر، ومنهم من ضجر وكفر... هم جميعا تحت قبض القبض، أحوج ما يكونون إلى ابتسامة ولفتة ودعاء منَّا، ولكنَّا للأسف غافلون بما نحن فيه عما هم فيه.. إلا قليلا...

آهٍ؛ نعم... جال في خاطري "حي برزة، وحاميش" ضواحي دمشق، وفيها الساعة طلقات نارٍ من مسلم تزهق بها أرواح مسلم، والبوم يعشش في كلِّ جانب منها ومن سورية، ومن بلدي الحزين... هنا، وهنالك، وفي العراق، وبورمة، والصومال... في كلِّ مكان تسلَّط الظلم والكبرياء والطغيان على الحلم والحبِّ والإيمان...

ومستقبلٌ جديدٌ يولد قريبا من رحم الغيب السعيد؛ جال في خاطري... فكدت أطير من مكاني، وكدت أفض غشاوة الصمت بتكبيرة تهز الأكوان هزا رفيقا... مستقبلٌ بيد أبطال الروح والمعنى... مستقبلٌ يرغِم أنوف الشانئين الأغرار، ويُسِرُّ قلوب المحبين الأبرار...

والجزائرُ، ووطني، وبلدي... جال في خاطري حالُها وحال ساكنيها؛ وهو وإن لم يكن أسوء حال، فهو يقينا بإجماع الكلِّ ليس بأحسن حال: إلى متى يرشُد روادها من غثيانهم؟ وإلى متى يفيق حكماؤها من غفوتهم؟ إلى متى تحلق في سماء الكبار وتغادر الضحضاح ووحل الفجَّار؟ إلى متى تكون الجزائر ملاذا وبيتا للمحسنين من أبنائها؟ متى تلفظ من رحمها بهدوء أبناءها العقوقين المخربين المفسدين، ولا تبالي؟ إلى متى يصمتُ مِن غسقها صوت "ابن نبي" وهو يخاطبها متحسرا:

"يا جزائر... يا أرضًا عَقوقا... تُطعمين الأجنبي، وتتركين أبناءك جوعى... إنني لن أعود إليك حتى تكوني حرَّة

جال في خاطري أن أسأل أرضي بقلب حزين ودمع دفين: إلى متى تصير يا بلدي – كما يجب، وكما نحبُّ أن تكون – حرَّا كريما؛ ويعود إليك "مهندس حضارتنا" متبخترا، بيده مسبحة، وفي فكره مشروع حضارةٍ، وبين سواعده صرح لوطن كبير عزيز عظيم... إلى متى؟

وجال في خاطري واجبي، ومسؤولتي، وما قدَّمت وما أخَّرت، وما أنجزت وما ضيعت، والكثير مما قرأت، وبعض ما كتبت... وبين عيني صورة الحشر، أراها رأي العين: "وعنت الوجوه للحي القيوم، وقد خاب من حمل ظلما"، "وقفوهم إنهم مسؤولون، مالكم لا تناصرون، بل هم اليوم مستسلمون"...

ثم عُدت إلى حيث غادرت، ولمستُ بيمناي المكان، ولامستُ بيُسراي الزمان، ثم عاينت بعينين تفيضان دمعا روعةَ الحشود من بني الإنسان، وبأذنيَّ استعدتُ "تغطية المجال" لالتقاط كلمات الخطبة، وما كنت أدرك إلا معانيها دون مبانيها؛ وكان إلى جواري شابٌّ، ومِن أمامي كهل، وشيخ، وطفل، وصحيح، ومعوق، وموسع، ومقتِر... كلٌّ منهم يسبح بفكره في الأفق المخفيِّ السحيق، ويجول بخاطره ما لا يُحصى من خطرات وأفكارٍ ومشاعر وتفاصيل ومشاهدات... كلُّ ذلك معلوم عند الله تعالى، وجميع أولئك مسجَّل في "لوح المحو والإثبات"... ولا أحد من بني البشر القصَّر يقدر أن يطلَّ من نافذة قلبه على فضاءات خاطر أحدٍ من الناس، حتى وإن كان زوجا، أو ابنا، أو قريبا...

أخي، أختي... جال في خاطري ما يجول في خاطرك، وأنت تقرأ هذه السطور، وقد انتقلت أنوارها من ثنايا الكلمات لتستقرَّ في أعماق الوجدان عندك، ضيفا أو تليمذا أو حتى متسولا، يخاطبك حسب سعة أفقك، ويطلبك بحسبان كرمك، أن تضفي عليها من فيض سخائه بعدا آخر، وأن تنزله من فؤادك أرفع منزل، وأن تفسح له في المجلس ليلتحق بحلقة العلم والعمل... هنالك، حيث لا يصل سمعي وبصري وحسي وعقلي...

فهل أنت فاعل؟!

جال في خاطري، أخيرا، أن أحضنك بالجسد، وقد حضنتك بالروح من أزلٍ، دمعي يفضح ما بخاطري، سائلا منك العفو والصفح، وأن تغفر لي ما فرَّطتُ في حقِّك، وما ضيَّعتُ من واجبي حِيالك... ثم، إذا أنت فعلتَ، ولا أخالك إلاَّ فاعل، إذ الكريم لا يصدر منه إلا الكرم... إذا أنت فعلت، ثمة فقط أقول لك بعظمة لساني:

عيدكم مبارك، وكلُّ عام وأنتم بخيرٍ، وعافيةٍ، وبركةٍ، ونصرةٍ، وتمكينٍ...

                                             آمين... آمين... آمين...

 

محمد باباعمي، عمرانية، اسطانبول

صبيحة العيد السعيد، 1433هـ


--
--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "Kantakji Group" group.
To post to this group, send email to kantakjigroup@googlegroups.com
To unsubscribe from this group لفك الاشتراك من المجموعة أرسل للعنوان التالي رسالة فارغة, send email to kantakjigroup+unsubscribe@googlegroups.com
For more options, visit this group at
http://groups.google.com/group/kantakjigroup?hl=en
سياسة النشر في المجموعة:
ترك ما عارض أهل السنة والجماعة... الاكتفاء بأمور ذات علاقة بالاقتصاد الإسلامي وعلومه ولو بالشيء البسيط، ويستثنى من هذا مايتعلق بالشأن العام على مستوى الأمة... عدم ذكر ما يتعلق بشخص طبيعي أو اعتباري بعينه باستثناء الأمر العام الذي يهم عامة المسلمين... تمرير بعض الأشياء الخفيفة المسلية ضمن قواعد الأدب وخاصة منها التي تأتي من أعضاء لا يشاركون عادة، والقصد من ذلك تشجيعهم على التفاعل الإيجابي... ترك المديح الشخصي...إن كل المقالات والآراء المنشورة تُعبر عن رأي أصحابها، ولا تعبّر عن رأي إدارة المجموعة بالضرورة.
 
 
 

No comments:

Post a Comment