Friday 27 January 2012

{Kantakji Group}. Add '10731' دقيقة نقاش الأسـبوعية - الحفر في المكان الخاطىء


 جريـــدة القــنديــل الاقتصــادية الأســـبوعية :

إعداد د.محمد وائل سعيد حبش

دكتوراه في الأسواق المالية

دقيقــة نقاش :

 

الحفر في المكان الخاطىء :

إن الفشل في جذب شركات مساهمة و دفعها للتحول من الشكل العائلي الخاص إلى الشكل المساهمي العام يبين أن الاتجاه و الاستراتيجية بأن يتحمل القطاع الخاص مسؤولية دعم و توسيع شكل و حجم سوق دمشق للأوراق المالية قد انهارت أمام واقع تهرب الشركات العائلية من التحول على الرغم من التسهيلات و المزايا التي قدمت من هيئة الأوراق المالية و المراسيم إلا أنها لم تكن كافية لإقناع هذا القطاع العائلي في التحول أمام هذه المتغيرات الاقتصادية الكبيرة في سوريا و أمام تشابكات محاسبية وضريبية تكاد تكون من الفضائح لهذه الشركات في حال تحولها إلى الشكل العام و اهتزاز الثقة بين أصحاب الشركات العائلية و القرارات الحكومية التي من الممكن أن تتغير بتغير الحكومة أو تتحول إلى أثر رجعي بين ليلة وضحاها إضافة إلى الموروث العائلي بالاعتزار بالشركات التجارية الخاصة جعلت عملية التوجه و الإقناع و التركيز في المكان الخاطىء ، في حين يتم غض الطرف و تناسي القطاع العام الحكومي في إدراجه في سوق دمشق للأوراق المالية و هو الذي ساهم في البناء الحقيقي في الاقتصاد الوطني كما أنه يمسك بالقطاعات الحيوية التي تنهض بالاقتصاد بطرح جزء من رأسماله للخصخصة العامة لا أن يتم تحميل السوق المالي الوطني للقطاع الخاص مهمة إقامة توازن القطاعات في سوق دمشق المالي و جعله أكثر تمثيلاً للاقتصاد الوطني فكيف يكون السوق المالي مرآة للاقتصاد الوطني و القطاعات الحيوية في هذا الوطن مملوكة للقطاع العام الحكومي و لا يمكن إدراجها في السوق ؟!.

إن مراقبة تجارب الدول الأخرى تدفعنا لرؤية أن أصل الشركات المساهمة العامة قد وجدت لتمويل المشاريع الحيوية الهامة و التي تنهض بالاقتصاد الوطني و تشكل البنية التحتية اللازمة لمشاريعه فإن كانت شركات القطاع العام الحالية تواجه عوائق قانونية و محاسبية ومالية لطرح جزء من رأسمالها إلى الخصخصة السهمية فما الذي يمنع من تأسيس شركات حكومية جديدة بقالب جديد و بتمويل مشترك في رأسمالها بين الدولة وبين المساهمين ؟

هذا الطرح السابق ليس مستحيلاً خاصة إن أتينا بميزان الفوائد و السلبيات لترجح كفة المزايا والتي تبرز من خلال التحديات التي تواجه موازنة الدولة العامة  و قدرتها على تأمين السيولة لتمويل الإنفاق الاستثماري من الموازنة كما أن الاكتتاب في شركة مساهمة عامة حكومية يعطي جرعة عالية من الأمان المالي للمساهم الصغير أكثر مما ستقدمها  أي شركة خاصة تطرح رأسمالها للاكتتاب العام ، كما أن نشاط الدولة بإقامة الشركات المساهمة المشتركة سيمتص الفوائض النقدية المجمدة أو المخبأة أو المحولة ضمن قنوات استثمارية بدلاً من الاستخدام المتكرر للأدوات المالية والنقدية و التي تفقد فعاليتها أمام المنعطفات الزمنية الاقتصادية عندما يتعرض الاقتصاد إلى نكسة أو حصار أما من الناحية الاجتماعية فستعيد هذه الشركات احتواء العمالة التي لفظها القطاع الخاص خلال مرحلة الكساد الاقتصادي .

 

أما  واقع شركات القطاع العام الحكومي الحالية فإن عدم توفر الجاهزية المحاسبية من حيث عدم مطابقتها للمعايير المحاسبية الدولية و الجاهزية المالية من حيث تحقيقها للأرباح الصافية و الجاهزية القانونية من حيث عدم توافر التشريع القانوني  قد منع هذه الشركات من أن تكون ضمن معادلة الطرح و الإدراج في السوق المالي النظامي بسبب غرقها في هذه الإشكاليات و الموانع و لذلك فبدلاً من الضغط على الخاص ليتحول إلى مساهمي عام و التهرب من العام الحالي لورود هذه العوائق فالحل الأوفر و الأسلم هو بناء شركات عامة جديدة تطرح جزء من رأسمالها إلى المساهمين السوريين ليكونوا شركاء في بناء الوطن و في الرقابة على أدائه  .

إن من أساسيات النجاح ألا تحفر في الحفرة نفسها بعد أن تعلم أن الحفرة ليست في الموقع المناسب فلا يفيد تغيير أساليب الحفر و طرقه إن كان الموقع خاطىء بالأصل ،ولكننا على أرض الواقع لا نجد هذه القواعد الأساسية في معادلة نجاح أي اقتصاد فالمراجعة الاقتصادية للاستراتيجيات بطيئة و آليتها مجهولة بالنسبة للجمهور ومن المفترض أن يتم مناقشتها ضمن أروقة مجلس الشـعب و أمام السلطة التنفيذية فهكذا استراتيجيات تحتاج إلى نقاش عام و فعال و من ثم مراجعة وتصحيح إن استلزم الأمر .

ما رأيناه من استراتيجيات اقتصادية كانت أجندات بدون زمن و استعراضات فردية   فكانت الإنجازات الاقتصادية ومعها الأخطاء تنبع من كفاءات فردية لا من فرق عمل متعاونة  فمع انخفاض الثقة العامة بالاقتصاد الوطني من قبل المواطنين أنفسهم و تدهور الليرة السورية أمام مقابلاتها من العملات العالمية و استبعاد آراء المواطن من المشاركة في اقتصاده على مبدأ الشريك وليس الأجير برزت كل هذه المشاكل المستعصية و التي تبقى مستعصية أما أسلوب تفكيرنا المغلق .

نعود مجددين من حيث بدأنا وهي الحفرة الواقعين بها فإن استمرينا بالتفكير في داخل الصندوق نفسه فسنبقى نغوص داخل الحفرة دون طائل أو نتيجة بل إهدار للعمل و للوقت والفكر ،  أما إن حررنا فكرنا الاقتصادي لنتجاوز ماتم افتراضه خطوطاً حمراء و آليات لا يمكن تبديلها أو تطويرها فالفشل الاقتصادي سيعزز أوجاع هذا الاقتصاد فما نحتاجه الآن هو صناعة المفاهيم أي الارتقاء بالمنظومة الاقتصادية الفكرية المحلية إلى مكان آخر  من حيث الحواجز و الآليات و إزالة الحواجز النفسية المفترضة  أن خصوصيتنا تمنعنا من أي تطوير أو تجاوز ما رسمه أسلافنا الاقتصاديين من سياسات كانت مناسبة ضمن ظروف عامة مساندة لكن المتغيرات الاقتصادية والسياسية عالمياً واقـليمياً حالياً متسارعة  إلى درجة جاعلة ما هو صالح الآن فاسد غداً وما هو ثوري غداً تقليدي و رجعي بعد غد .

No comments:

Post a Comment