Sunday 18 September 2011

{Kantakji Group}. Add '10179' الخصخصة العامة تجاوز للخطوط الحمراء السورية في زمن اقتصاد السوق المرتبك

جريـــدة القــنديــل الاقتصــادية الأســـبوعية :

إعداد د.محمد وائل سعيد حبش

دكتوراه في الأسواق المالية

 

الخصخصة العامة :

لطالما كان ملف شركات القطاع العام يحاط بالكثير من الإشكاليات والغموض و تعطيل المبادرات تجاه حل أزمة القطاع العام الحكومي الخاسر و الذي تطورت الأزمة لتتحول إلى أزمة ذات آفاق اجتماعية و اقتصادية وإيديولوجية فهذا القطاع الذي تأسس و تطور و سيطر على الحياة الاقتصادية خلال العقود الماضية و نما تحت رعاية الأفكار الاشتراكية تحول لعدة عوامل أهمها الإهمال و سوء الإدارة و الفساد إلى عبء اقتصادي و اجتماعي على ميزانية الدولة فهذا القطاع يتجاذبه العديد من القوى التي تمنع حدوث أي تغيير حقيقي فيه و تجتهد لإحباط المحاولات المنقطعة النظير خلال العقد الماضي لإخراج هذا القطاع من المآزق الذي يعيش فيه وبالطبع فإن أكثر القوى التي تدافع عن هذا القطاع بصيغته الحالية هي اتحادات نقابات العمال التي تعتبر تسريح العمال و خصخصة الشركات انتهاكاً سافراً لحقوق العامل و لمبادىء ثورة الثامن من آذار من أجل العمال و الطبقات الكادحة ولكنها تناست أن الثورة التي ثارت على الطبقات البرجوازية الطفيلية على حد تعبيرهم قد أنتجت فيما بعد طبقة من العمال الطفيلين التي لا تنتج و لا تعمل فيما تكفلت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بالدفاع عن الموظفيين الإداريين الذين تكدست أعدادهم في غرف مؤسسات الدولة العامة و الشركات الحكومية و لانقصد هنا التعميم فهناك بالطبع نسبة من العمال و الموظفين الذين التزموا بواجبهم المهني و الأخلاقي تجاه أعمالهم ولكن تفشي ظاهرة محددة تؤدي بالضرورة إلى تفشي أسبابها ولا يمكن أن يكون من المنطق أن شركات القطاع الحكومي تقوم بالواجب الاجتماعي لها باستقطاب القوى العاملة و تخفيض البطالة و بالتالي تلافي آثارها السلبية من الفقر و الجريمة فشركات القطاع الحكومي هي أولاً و أخيراً شركات اقتصادية تعمل من أجل الربح و توليد الثروة للمجتمع في حين خلط الهدف الاجتماعي بالاقتصادي سيؤدي بالضرورة إلى نهاية حتمية ولكنها مؤجلة بانهيار الوحدة الاقتصادية التي ستنهار معها الوحدة الاجتماعية المرتبطة بها .

مقاومة تغيير القطاع العام :

و طالما انبرت الأقلام المستفيدة من واقع القطاع الحكومي الحالي بالدفاع عنه وضد دعوات الخصخصة التي اعتبرها البعض خيانة عظمى للوطن و سرقة قانونية لأموال الشعب و انتهازاً لمرض القطاع للإجهاز عليه ويبدو أن هذا الدفاع له أسبابه الموضوعية إذ أنه  تعني العودة بشكل أو بآخر إلى حقبة البرجوازية التي قامت بالأصل الأحزاب الاشتراكية وفيما بعد ثورة حزب البعث  على إنهائها إلا أن هذا الدفاع يخفي أيضاً مصالح دفينة للقيادات التي استلمت المناصب الإدارية في المؤسسات العامة الاقتصادية والتي تحول غالبها إلى أرباب عمل خاص برؤوس أموال عامة و لذلك كانت الدعوة المعاصرة  في الخصخصة ولكن ضمن إطار الشكل القانوني المساهمة العامة فبدلاً من أن تكون الملكية عامة على الشيوع كما في الحالة الراهنة أو الملكية خاصة كما في حالة الخصخصة بمفهومها التقليدي تكون الخصخصة عامة بمفهومها الجديد فتطرح جزءاً من الشركة العامة الحكومية أو جميعها إلى الاكتتاب العام وبالتالي يشارك الشعب في ملكية الشركة و إنما ذلك بحصص معروفة محددة ومخصصة لكل مساهم من أفراد الشعب فيتم تعبئة المدخرات الوطنية و تزداد الرقابة على الشركات العامة من قبل الهيئة العامة و المساهمين  و يصبح النشاط التشغيلي للشركات العامة أكثر شفافية وفي ظل واقع عزوف القطاع الخاص على التحول من الشركات العائلية إلى الشركات المساهمة العامة فإن الأنظار ستتجه إلى شركات القطاع العام من حيث عدم توافر العوائق التي يواجهها القطاع الخاص في التحول فهي أولا تمتلك القوائم المالية الواضحة منذ تأسيسها و إن كانت خاسرة في معظمها فهي تعبر بصدق عن واقع الشركة المالي ، وعلى الرغم من المحاولات المشكورة برفع اقتراح إلى وزير المالية بتحويل القطاع إلى شركات مساهمة عامة أو بتوصيات إلى هيئة الاستثمار بحصر قانون الاستثمار للشركات بشكل المساهمة العامة إلا أن هذه المبادرات ما تلبث أن تدخل في نفق النسيان و البيروقراطية إلى أن يتلاشى اهتمام مطلقيها بها أو يتملكهم اليأس من تنفيذها .

 

العلمانية الاقتصادية عنوان المرحلة القادمة :

إن الخصخصة العامة – كما أحب أن أسميها – وضمن قناعاتي تلائم مصطلح اقتصاد السوق الاجتماعي وتتماشى مع الفكر الاقتصادي الذي يريد أن يتماشى مع اقتصاد السوق دون أن يكون ذلك على حساب الطبقات العاملة و الكادحة فالشركات المساهمة العامة هي في النهاية مملوكة لأفراد الشعب كما من الممكن أن يتملك العامل أو الموظف أسهماً في الشركة التي يعمل بها فيزداد ولاؤه و اندفاعه إلى العمل فربح الشركة يعني ربح أسهمه ، و للموضوعية الاقتصادية فإن اقتصاد السوق الاجتماعي لا يمكن أن يتم تطبيقه دون إلغاء المادة الثامنة من الدستور فلا يمكن حصر المناصب الإدارية الاقتصادية بالمدراء الحزبيين فاختيار المدير يجب أن يكون في الشركات المشتركة أو المساهمة العامة بناء على الكفاءة الإدارية أي أن يتم فصل السياسة عن الاقتصاد و هذا ما يمكن أن أصطلح تسميته "بالعلمانية الاقتصادية" فكما هو معروف العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة في حين أريد بهذا المصطلح الجديد معنى أخر وهوفصل سلطة رجال السياسة عن الاقتصاد وإدارة الشعب اقتصاده بنفسه وهذا يتطلب من الشركات العامة أو المشتركة أن تسلك سلوك الشركات الخاصة في طريقة تعيين المدراء و الموظفين فلا يتم تعيين المسؤول الاقتصادي بناء على خلفيته السياسية أو بناء على تسلسله الهرمي بل على الكفاءة الاقتصادية و الإدارية التي من الممكن أن تكون مستوردة من خارج ملاك الشركة وهذا ما يمكن أن يحقق مفهوم " الديمقراطية الاقتصادية" فأي مواطن من الشعب يملك الكفاءات المطلوبة يستطيع أن يتوظف في أي شركة عامة أو مشتركة دون أن تكون حكراً على أعضاء حزب ما أو موظفين سابقين في القطاع الحكومي .

 

إن البيئة الاستثمارية الداعمة لسوق دمشق للأوراق المالية تنطلق من نظرة أكثر عمقاً من المعطيات الحالية فالضعف البنيوي لسوق دمشق من حيث التوزيع القطاعي و من حيث حجم التداول أثبتت أنها أكبر من محاولات هيئة الأوراق والأسواق المالية على تقوية السوق و أكثر تعقيداً مما تصورت إدارة السوق المالي فمنذ بداية افتتاح السوق تم الاعتقاد أن المشكلة محصورة بطريقة استخدام الأدوات المالية التي تمتلكها الهيئة و إدارة السوق و سار الجدل حول سرعة استجابة الهيئات الرسمية لاستخدام هذه الأدوات المالية التي أفرغ توقيتها المتأخر مفعول أغلبها بالإضافة إلى عدة أخطاء يعزى معظمها إلى حداثة التجربة واستبعاد الخبرات الأجنبية ولكن اتضح مع الزمن أن مشاكل السوق المالي تبدو أكثر من مجرد أدوات مالية لم تستخدم بالتوقيت المناسب بل هناك ثغرة كبيرة بين السوق المالي وبين بيئة الاستثمار السورية المتخلفة عن مفهوم السوق المالي وهذا التخلف الفكري الاقتصادي شمل القطاع العام بممانعته لمفهوم الخصخصة العامة كما شمل القطاع الخاص بتجاهله لدعوات التحول إلى شركات المساهمة العامة إما جهلاً بمزاياها أو خوفاً من شفافيتها .

إن تقوية سوق دمشق المالي لا يعني فقط نقل الشركات المساهمة غير المدرجة إلى الإدراج لأن ذلك شبيه بمن ينقل الشركة من الظلام إلى العلن فليس هناك من تعبئة للمدخرات الوطنية بهذه الحالة باعتباره بالأصل قد تم تعبأتها سابقاً وعلى الرغم من الفوائد الحتمية للشركة بنقلها من السوق غير المنظم إلى المنظم  والفوائد الحتمية للسوق بازدياد حجم التداول و السيولة وعمق السوق و التوازن القطاعي داخل السوق إلا أنه من البديهي أن إدراج جميع الشركات المساهمة العامة المؤسسة مسبقاً في سوق واحد لن يحقق الأهداف الاستراتيجية لسوق دمشق المالي بل الأمر يحتاج إلى قفزة أخرى من البيئة الاستثمارية في سوريا ومن الأيديولوجية الاقتصادية الاجتماعية لتساير أهداف سوق الأوراق المالية والذي يعتبر أهم أشكال اقتصاد السوق .

 

البرجوازية الحكومية والبراغماتية التجارية :

لكن الإشكالية الكبرى في جميع هذه المعادلات هو آلية تنمية الحس الوطني فالفساد يستطيع الولوج إلى جميع أشكال الشركات سواء العامة أم الخاصة بل وحتى المشتركة فالتحليلات و التوصيات جميعها لن تؤدي إلى مضمون إيجابي إن لم يتم معالجة قناعات و سلوكيات الموظف الأخلاقية هذا العنصر البشري الذي تبنى عليه كل النظريات والأيديولوجيات فانحطاط الحس الوطني والمترجم بحالات الفساد المشاهدة في مختلف المستويات الإدارية والتنفيذية في كل القطاعات يحبط المبادرات ولذلك كانت تجربة الانتقال من الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد السوق في سوريا  شبه كارثية على الاقتصاد السوري بوجود خصال الانتهازية و الاحتكار و الاستغلال لدى نسبة مرتفعة من رجال الأعمال السوريين الذين لم يروا بهذا الانفتاح سوى لحظة تاريخية وفرصة نادرة للثراء الفاحش ووسيلة لنقل امتيازات اقتصادية تمتع بها القطاع الحكومي الاقتصادي إلى حوزة قليلة من رجال الأعمال ليتغير المشهد الاقتصادي السوري من احتكار الدولة إلى احتكار القلة ولتظهر فئة تجارية جديدة  لا بأس إن أطلقت عليها مصطلح " البرجوازية الحكومية "  وهم عبارة عن كبار موظفين في الدولة تحولوا إلى تجار مستفيدين من مناصبهم الرسمية و يمارسون أعمالهم التجارية عبر دمى من التجار المحليين وفئة تجارية أخرى جديدة  أبلغ ما يمكن أن أطلق عليها مصطلح " البراغماتية التجارية " وهي الفئة من التجار التي لا تمتلك أعراف تجارية أو أخلاقية راسخة و لا تؤمن بوجود معتقدات ثابتة بل تعتمد على فكرة واحدة وهي النفعية والعملية و الاستفادة من الواقع التجريبي فهي مستعدة للتحالف مع أي قوى سياسية  حالية كانت  أو صاعدة وطنية كانت أم فاسدة طالما أن مصالحها التجارية تتعاظم و تتوسع ، وهاتين الفئتين استطاعت الدخول على خط الشركات المساهمة العامة والتي شهدت نشاطاً عاماً مع دخول قطاع البنوك الخاصة والتأمين إلى السوق السوري و التي ألزمها القانون السوري بشكل المساهمة العامة كشكل قانوني تجاري و لا أؤمن على الإطلاق بأن هاتين الفئتين تمتلك من الحس الوطني ما يجعلها تقود البيئة الاستثمارية المتخلفة إلى مسافة متقدمة أكثر أو أن تتمكن من ترسيخ قواعد سوق دمشق للأوراق المالية خاصة في هذه المرحلة التي لا تبدو أنها ستدر أرباحاً على هاتين الفئتين بل على العكس إن الاحتفاظ حتى بقواعدهم وامتيازاتهم دخلت في مرحلة الشك مما قد يدفع غالباً هاتين الفئتين بالانسحاب التدريجي من الحياة الاقتصادية السورية لكسب ما يمكن كسبه من غنائم مالية خلال العقد الماضي غير آبهين بأي طوفان أو خلخلة في النسيج الاقتصادي السوري .

 

الخصخصة العامة صمام الأمان :

إن العدالة الاجتماعية والاقتصادية هي صمام الأمان ضد أي اختلالات في النسيج الاجتماعي متعدد الإثنيات والأعراق والأديان و الشواهد كثيرة في بلدان  متعددة اللغات و الثقافات ولكنها تعيش بانسجام و احترام و تآلف ولعل الصيغ الاقتصادية خلال العقود الماضية والتي اعتمدت في جوهرها على المركزية سواء بصيغتها الاشتراكية أو بصيغتها السوقية الاجتماعية قد أدت إلى تخلخل الأطراف دون المركز ولم تخرج البنية الفكرية لسوق دمشق المالي عن هذه الصيغ ولذلك فإن الخلل سرعان ما ظهر كمرآة للطبيعة الاقتصادية السورية ولعل مفهوم " الخصخصة العامة " سيكون الأنسب في رسم المرحلة المقبلة و الذي يزاوج بين المركز القوي وبين الأطراف التي تريد أن تلعب دوراً في صناعة مستقبلها الاقتصادي و الاجتماعي بما يحقق لها العدالة على هذين المستويين .

 

No comments:

Post a Comment